وقف الكارثة في سورية
ما يحدث في سورية كارثة إنسانية مروّعة، والشعب السوري والدولة السورية هما الضحيّة، وليس هناك بوادر لوقف المجزرة الدموية الرهيبة ووقف عملية التدمير التي تطال الإنسان والمنازل السكنية والمؤسسات والمساجد والآثار، ويتضاءل الأمل في إطفاء النار الملتهبة التي تأكل الأخضر واليابس.
المطلوب من العرب أولاً، ومن كل دول العالم الإسلامي شعوباً وأنظمة ومؤسسات بالتعاون مع الدول المحايدة أن تهب لإيجاد مبادرة جادة تسهم في وقف الكارثة الإنسانية وحماية الشعب السوري ووقف شلال الدم، وعمليات التقتيل والتشريد التي فاقت كل التوقعات المتشائمة، وأن تضع حداً للمجازر الدموية، عبر وسطاء نزيهين غير متهمين بالانحياز لأي طرف.
وفي هذا الصدد ينبغي تأكيد مجموعة ثوابت تصب في مصلحة الشعب السوري والدولة السورية ابتداءً وانتهاءً، كما ينبغي الابتعاد عن لغة الشتم والردح التي لا تخلق واقعاً إيجابياً يصب في المصلحة العامة للشعب السوري، ومن هذه الثوابت:
- رفض التدخل العسكري الأجنبي في حل المشكلة السورية، رفضاً قاطعاً، من جميع الدول بلا استثناء، سواء كان من أمريكا أم فرنسا أم الدول الغربية من جهة، مو من جانب روسيا وإيران وكل الدول الأخرى في هذا الحلف من جهة أخرى، فلّيس معقولاً أو يتم استنكار التدخل من طرف دون طرف، أو من جهة محددة وغض الطرف عن جهة أخرى، فهذا يمثل نظرة مختلة وسقيمة وغير عادلة.
- يجب وقف دخول العناصر والأفراد والمنظمات المختلفة إلى الساحة السورية، وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون المنع عاماً وشاملاً، ولا يقتصر على جهة دون جهة أخرى، بمعنى آخر أكثر وضوحاً يجب الحيلولة دون دخول أفراد القاعدة بنفس الدرجة التي يمنع فيها دخول عناصر حزب الله من لبنان، أو بعض المليشيات من العراق أو من إيران، فليس من المنطق ولا من العدل تسليط الأضواء على المنظمات الجهادية وأتباع القاعدة، بينما تكون الحدود مفتوحة لجيش حزب الله، والمليشيات المقاتلة والمدربّة والمسلحة من العراق وإيران، واستقدام الخبراء والقناصة من كوريا ومن بعض الدول الشرقية.
وفي هذا السياق، إذا كان النظام السوري غير قادر على حماية حدوده، وغير قادر على ضبطها، وغير قادر على دخول العناصر المقاتلة من كل حَدَب وصوب ومن كل الجهات ومن كل الأطراف، وغير قادر على حماية المدنيين من الشعب السوري، وفقد السيطرة على الساحة السورية، وإذا كان النظام يدعي بأن كل ما يحدث من تدمير للمساجد وقتل وتشريد للمدنيين، وكل المقابر الجماعية وكل حوادث التعذيب ليست من صنع يده، ولا من فعل عناصره، ولا من "الشبيحة" التابعين له، رغم استخدام هذه القوة المفرطة، ورغم استعمال كل ما لديه من أسلحة ثقيلة وجيوش وطائرات مقاتلة وطائرات مروحيّة ودبابات وراجمات صواريخ وأسلحة كيماوية على مدار عامين ونيف، لقد فقد مبررات وجوده، وإذا لم يعد قادراً على حماية شعبه وبلده، فيجب أن يستقيل من باب الاعتراف بالعجز على إيجاد الحل، كما ينبغي أن يفعل كل من يتحمل المسؤولية برجولة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الاتهامات التي تطلقها المعارضة بحق النظام ومن خلال ما يجري على الأرض، يجب أن يصار إذن إلى لجان تحقيق محايدة ونزيهة بإشراف مؤسسة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة مؤتمر العاالم الإسلامي، من أجل الوقوف على الحقيقة وكشفها.
وهنا يجب التأكيد أن أمريكا وحلفاءها من جهة وأن روسيا وحلفاءها ومن جهة أخرى ليسوا معنيين بمصلحة سورية الحقيقية ولا مصلحة الشعب السوري، وإنما كل طرف معنى بمصلحته الخاصة وتنفيذ أجندته، ولو أدى ذلك لموت مئات الآلاف من الشعب السوري وتم تشريد الملايين.
النظام السوري يتحمل القسط الأعظم من المسؤولية في وضع حد لعملية تدمير الدولة السورية ووقف المذبحة، من خلال إعلان مبادرة تنازل عن كرسي الحكم، وإرجاع المسؤولية إلى الشعب السوري ليختار بحرية وإرادة مطلقة حاكمه الفعلي، بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك؛ وألا يجعل من بلده ساحة صراع دولي.
العرب اليوم