هل يرجع النواب "للجد تاني"!

هل يرجع النواب "للجد تاني"!
الرابط المختصر

وقّعَ ثمانية وستون نائبا مذكرة وجهوها إلى الملك، مطالبين فيها عقد دورة استثنائية لمناقشة خمسة بنود محددة، تتعلّق بملّفات مزعجة للحكومة، يرى النواب أنها تصرفت بها من دون تأييدهم، وهي: اتفاقية الغاز، وتقرير لجنة الأسعار، وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ولجنة تقصي الحقائق في أحداث الكرك، وقرار لجنة النقل في الملكية الأردنية.

الواضح، من العناوين المطروحة أعلاه، أن النواب قرروا محاسبة الحكومة على تفرّدها بالتصرّف في هذه الملفات من دون إشراكهم أو الرجوع إليهم لمناقشة قرارات في قضايا تتسم، شعبيا، بحساسية زائدة، ما زاد في هذه الحساسية تشكُل رأي عام معارض للحكومة إزاء سياساتها وقراراتها في هذه الشؤون.

وبالفعل، فإن الملفات المذكورة دفنتها الحكومة في أدراج النسيان، وربما كان خير شاهد على ذلك، الطريقة التي خرّجت الحكومة بها نفسها من النقاش الذي احتدم بينها وبين النواب حول أحداث مدينة الكرك، والتي استشهد فيها 11 فرداً من الأجهزة الأمنية ومدنيان وسائحة كندية، وأصيب أكثر من 30 شخصاً بين مدني وعسكري وأجنبي، حيث تقرر حينها التوافق على حل وسط يتمثل بتشكيل لجنة استقصاء؛ وظيفتها الكشف عن الملابسات التي اعترت القضية لتحديد الجهات التي تتحمل المسؤولية عن جوانب القصور فيها، إلا أن ذلك الحل التوافقي صار تطبيقاً فعلياً للمثل القائل: إن أردت تضييع موضوع فما عليك إلا أن تُشكل لجنة لدراسته، وهذا ما كان بالفعل.

برغم أن اللجنة مكوّنة أساساً من أعضاء مجلس النواب: خالد البكار، حسين القيسي، منصور مراد، قصي الدميسي، خير أبو صعيليك، أحمد اللوزي، وصفي حداد، ريم أبو دلبوح، إبراهيم البدور، إلا أنهم لم يطّلعوا المجلس على نتائج تحقيقاتهم، ولم يبادروا لاتخاذ أي قرارات، لكن، ربما كان عذرهم في ذلك أنه لم يكن من السهل الحصول على المعلومات من الجهات التنفيذية ذات العلاقة، والتي ربما تتحمل بعض المسؤولية عما حدث.

إن مجرد قبول مجلس النواب، في حينها، بحلّ الموضوع عن طريق تشكيل لجنة هو خطأ فادح، إذ كان لا بد من أن تقدم الحكومة والجهات التنفيذية ذات العلاقة بالأحداث الاجابات الشافية على أسئلة النواب. لكن مراكز معينة كانت معنية بعدم منح النواب فرصة محاسبة الحكومة، فهيأت الأجواء لتشكيل اللجنة التي اكتفت بزيارة لمحافظة الكرك، ولا ندري ما هي المعلومات التي كانت ستتحصل عليها من مقابلة محافظها أو مدير شرطتها؟!

أما في ما يخصّ اتفاقية الغاز، فإنه تمّ توقيعها مع الجانب الاسرائيلي من دون الرجوع إلى مجلس النواب، وعندما طالب النواب بمناقشة الموضوع رفضت الحكومة الدخول في مناقشة تفصيلية متذرعّة؛ مرة بأنها اتفاقية وقعتها شركة الكهرباء الأردنية مع شركة "نوبل إنيرجي" الأميركية المطورّة لحوض شرق البحر المتوسط ، ومرة أخرى، بأن الاتفاقية تشمل بنوداً سرية تخص أطرافاً أخرى سيؤدي الكشف عنها إلى مساءلة الحكومة قانونياً، وتم التعامل مع هذا الملف الساخن شعبيا بتسليمه أيضاً إلى لجنة الطاقة، وذلك بعد رفض مجلس النواب عقد جلسة مناقشة عامة لاتفاقية الغاز، وهو موقف يتناقض مع موقف النواب اليوم، حيث صوت حينها 73 نائبا من أصل 96 على عدم صلاحية مذكرة كانت قدمت لعقد هذه الجلسة.

 موقف رئيس الوزراء سيكون صعباً في حال تم فتح ملف الخطوط الملكية الأردنية، حيث تم تعيين نجله مؤخراً مديرا فيها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قرار الحكومة برفع بعض الضرائب والرسوم لتغطية جزء من عجز موازنة 2017، لم تتم تغطيته، برغم أن هناك حديث يسري بين النواب عن تحصيل الحكومة أضعاف المبلغ المطلوب حينها (450 مليون دينار)، ويضاف إلى هذه القضايا شبهة إقالة الحكومة لأعضاء في هيئة مكافحة الفساد، وهو أمر خارج صلاحياتها.

اذا تمت الموافقة على منح المجلس فرصة عقد دورة استثنائية، وصمد النواب على مطالبتهم بعقدها، ولم تلجأ الجهات الرسمية إلى أساليب الضغط على النواب لسحب تواقيعهم عن العريضة، أو من خلال تهريب بعضهم من نصاب الجلسات، أو اللجوء، في أقصى الأحوال والاحتمالات، إلى حل مجلس النواب، فإن الحكومة، ذات الشعبية الأدنى بين الحكومات المتعاقبة، ستكون في موقف لا تحسد عليه، بينما ستكون الفرصة سانحة للمجلس النيابي الثامن عشر ليثبت عكس الصورة التي تحاول أن تثبتها بعض المراكز المعنية بتشويه العمل البرلماني.

 

محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.