هل هنالك "عدالة اجتماعية"؟!

هل هنالك "عدالة اجتماعية"؟!
الرابط المختصر

شعار "العدالة الاجتماعية" من أكثر الشعارات والهتافات التي تردّدت على ألسنة الآلاف في ساحات الثورات العربية وميادينها، وفي المظاهرات والمسيرات، وانتقل لاحقاً ليحتل مكانة مرموقة وبارزة في برامج الأحزاب السياسية العربية، من أقصى الليبرالية إلى اليسارية، وفي خطابات الحكومات الجديدة، حتى انتقلت هذه العدوى إلى شعارات وبرامج المرشحين والقوائم الأردنية، فالكل يتحدث عن هذا الشعار، والكل يفسّره كما يحلو له!شعار العدالة الاجتماعية هو – بالضرورة- مثل أشقائه من المصطلحات والمفاهيم الفلسفية الهلامية، التي تحمل مضامين ومعاني مختلفة ومتشعبة، وبحسب الخلفيات الفكرية والاجتماعية والثقافية، لكنّ المؤشّر الواضح في تبني أغلب التيارات السياسية والفكرية له اليوم هو "انكشاف" حجم الاختلالات الكبرى في العالم العربي، التي تراكمت عبر العقود الماضية.

التركيز على العدالة الاجتماعية اليوم لم يأتِ من فراغ، إذ يعكس - بدرجة كبيرة- عمق الأزمة الاقتصادية واتساع الفجوة الكبيرة في العالم العربي بين من يملك ومن لا يملك، وتنامي مشاعر الحرمان الاجتماعي، والضغوط السكانية، واستمرار الخط البياني التصاعدي لمعضلتي الفقر والبطالة، وفشل مشاريع التنمية الاقتصادية، وانتشار آفة الفساد.. الخ. لا يمكن الفصل بين المعادلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالاحتجاجات والثورات التي خرجت تطالب بالديمقراطية بعدما ترسّخت قناعة واضحة لدى أغلب الشرائح الاجتماعية بأنّ السبب فيما وصلوا إليه من خيبات أمل وإحباط وفشل ومعاناة اجتماعية واقتصادية يكمن في سوء إدارة الحكم، واستئثار مجموعات محدودة بالثروة والسلطة والجاه، وتمتّعها بامتيازات استثنائية، وغياب العدالة في فرص العمل، هشاشة مبدأ سيادة القانون، والشعور بأنّ دولة المواطنة باتت "كذبة كبيرة"، ولمّا وصل صبر المجتمعات إلى الجدار، وشعروا أنّ الأمل بانفراجات سياسية تعدّل الأحوال أمر غير ممكن، ووصل الحكام في المقابل إلى الاستهتار بـ"الرأي العام" أخذت الأمور نحو منحنى جديد ونقطة تحول تاريخية في الصراع.

السؤال، الآن - في حقبة الربيع الديمقراطي العربي- يكمن في تعريف وتحديد كيف يمكن ترجمة شعار العدالة الاجتماعية نسبياً على أرض الواقع، مما يخفّف من مستوى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الشريحة العامة من المواطنين في أغلب الدول العربية؟ ليس ضرورياً أن تتفق الأحزاب والتيارات السياسية جميعاً على تفاصيل وآليات تحقيق هذا المفهوم.

لكن المهم أن يتم الاتفاق على الإطار العام، الذي يحكم مفهوم العدالة الاجتماعية، وكيفية تطبيق ذلك مؤسسياً وسياسياً، ولعلّ الوصول إلى هذا الإطار ليس صعباً، بل ينبع من طبيعة الظروف التي أنتجت الاهتمام الجديد والصحوة الشعبية تجاه هذا المطلب. فالعدالة الاجتماعية تعني، الآن، في وعي الشارع العربي، الفرص المتساوية - قانونياً وأخلاقياً- في المشاركة في السلطة والثروة، ورفع احتكار المواقع العليا والحصول عليها لأسباب اجتماعية أو سياسية، بدلاً من الكفاءة والمواطنة. تعني العدالة الاجتماعية، كذلك، رفع أسباب الشعور بالتهميش لدى أبناء الطبقات الفقيرة والمحرومة، والمساواة أمام القانون، والعدالة في توزيع مكاسب النمو الاقتصادي، ومنح أهمية وأولوية قصوى لمشاريع التنمية والبنية التحتية والخدمات الأساسية.

العدالة الاجتماعية تعني، كذلك، عدم محاباة التشريعات والسياسات لمن يملكون اليوم المال والسلطة، سواء في الضرائب أو العمل أو الملكية، ومواجهة الفساد الذي أتى على أموال وحصص الفقراء، والحدّ من الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون لبناء توازن اجتماعي يمثّل الرافعة الحقيقية للسلم الأهلي! ثمة دلالات ومعاني كثيرة يمكن أن تتوافق عليها أغلب التيارات السياسية اليوم، والجميع يعرفون أن تحقيق ذلك ليس "كبسة زر"، لكن المهم أن ندرك أهمية السير في الاتجاه البديل لما ولّدته السياسات العربية خلال السنوات الماضية وما أنتجته من احتقانات واختناقات وكوارث.

 الغد