هل تُلغى وزارة الأوقاف؟

هل تُلغى وزارة الأوقاف؟

 

نحن أمام مشهد واضح لا تخطئه عين؛ السلطة في سباق ومنافسة مع الاسلام السياسي، والميدان هو استثمار الدين في الاستحواذ على تأييد الرأي العام، وإلى أن يقطف أحد الفريقين قصب السبق تكون أغلبية المجتمع قد اندرجت في التديّن سواء الرسمي "المعتدل" أو السلفي "المتطرف".

تديّن السلطة أخطر من تديّن المعارضة، وحتى تلك المصنّفة بخانة المعتدلة، فمن الطرفين يخرج المتطرّفون، والمتطرّفون الأوضح هم أولئك الذين يبادرون إلى "اجتثاث المعاصي بأيديهم"، فمنهم مَن خرج من ملاكات وزارة الأوقاف، ومنهم من جاء من تورا بورا أو الرقة.

الإشكالية الكبرى في تعيين هيئة إرشاد دينية تكمن في أنك تكوّن جيشاً جراراً من رجال يعتقدون أنهم يخلفون الله في الأرض، فشئت أم أبيت سيمتازون بصفات لا يمكن أن تجعل منهم موظّفين عمومين ينصاعون لأوامر المراكز الإدارية بالحرف، فلن يكون واضحاً تماماً إن كان هذا الموظف شخصية اعتبارية أو عامة أو وجاهة اجتماعية أو زعامة دينية، فهو يجمع كل هذه الصفات خصوصاً عندما يكون إماماً أو مؤذناً أو حتى من السدنة، كما تُسميهم وزارة الأوقاف، فلا يمكن تقنين القداسة التي يتحصل عليها موظف الأوقاف والتي تعطيه حصانة ما تفوق حصانة الموظف العمومي ما يضعه اجتماعياً بمنأى عن المحاسبة بفعل ما يتعلّق بوظيفته من قداسة.

فيما يخصّ تطوير الخطاب الديني، هل تتأمل السلطات العربية حقيقة من الموظفين "المجلببين" و"المعمّمين" تطوير هذا الخطاب؟ هل هذا الطرح جدّي في الأساس؟ هل تتوفّر لدى السياسي الرغبة الحقيقية في تطوير الخطاب؟ والمدى مفتوح لأن تسيل أسئلة كثيرة لا تنتهي حول استثمار السلطة للدين، وإناطة مهمة الإرشاد الديني بوزارة حكومية مموّهة بالانصياع لأوامر المراكز، لكنها في الحقيقة تتناغم مع التيارات المتطرّفة وتغذيها.

إلى هذه اللحظة فشلت وزارة الأوقاف في تحقيق "المأمول" منها، فالفوضى تعصف في قطاع المساجد والأمر يخضع للعشوائية لا للتنظيم، فهناك توسّع غير منظم في بناء المساجد خصوصاً في القرى والمحافظات، وصلت حدّ أنه يمكننا معاينة ذلك في أي بلدة أو قرية أردنية، توسّع غير مدروس في الانتشار لا يراعي معايير أو تنظيماً أو ضوابط، حتى وصل عدد المساجد في أي بلدة أردنية إلى أضعاف أضعاف المدارس والمراكز الصحية، وكذلك المراكز الثقافية مجتمعة، وهذه المساجد لا تراعي حين إعمارها حتى شروط السلامة العامة.

لكن مهام الإرشاد و"التوعية"، وقاعدة "عقِّل تعقل" لم تحصّن ملاكات الوزارة من آفات الفساد، فإلى هذه اللحظة خرج علينا وزيرا أوقاف، على الأقل، أعلنا عن قضايا فساد انخرط بها موظّفون في الوزارة أو أئمة ومؤذنو مساجد، ناهيك عن تقارير ديوان المحاسبة، لكن- باعتقادي- أن المؤسسة لدينا لا تحاسب هؤلاء الشيوخ أو "المطوعين" كما يسمّون في الدول العربية التي يذهب فيها لقب شيخ للأمير، فتكتفي فقط بطردهم، بفعل ما يمتلكونه من قداسة تضفي عليهم من الحصانة ما تحميهم من الحساب.

من المهام الخطيرة لوزارة الأوقاف أنها تشرف على تأليف المناهج الدينية، وهي بذلك تدخل بمنافسة مع وزارة التربية وأقسام المناهج فيها، بل وتشرف أيضاً على مدارس ومعاهد دينية يرتع بها بعض الأساتذة المتطرّفين الذين يغذّون، بشكل مباشر أو غير مباشر، التطرّف في مجتمعنا.

 

محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.

أضف تعليقك