على وجه العيد لا نريد أن نعكر مزاج الحكومة الجديدة، التي فرحت أمس عندما أظهرت نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية "أن 60 بالمئة من أفراد العينة الوطنية يعتقدون أن الحكومة الجديدة ستكون قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة بدرجات متفاوتة، كما أفاد 60 بالمئة بأن رئيس الحكومة سيكون قادراً على تحمل مسؤوليات المرحلة المقبلة".
حتى اللحظة لم تُفحَص الحكومة في أي موقف، لكن ما يتسرب عن نوايا حكومية متعلقة بقضايا المواطنين المعيشية ورفع الأسعار شَكَّل فاجعة قبل أن يقع، فكيف الحال اذا وقع فعلا، وأقدمت الحكومة على رفع أسعار المحروقات، ورافق ذلك رفع أسعار الكهرباء، ومعظم أساسيات حياة المواطنين.
عندها، سوف تذهب الابتسامات التي حَفِل بها الرئيس في الساعات الأولى، وتقلصت بعد التعديل الذي أجراه على حكومة فايز الطراونة، واحتفظ بـ16 وزيرا، وبعد رفع الأسعار سوف تتلاشى كل علامات الترحيب، وتصبح "حكومة رفع الاسعار"، ولن تنفع عندها كل مَلَكات الدكتور عبدالله النسور الخطابية، ولا حملة العلاقات العامة التي يقوم بها إلى أربع أو خمس مؤسسات رسمية أو شعبية يوميا، ولا جهود المصالحات والزيارات التي يجريها مع "أعداء تاريخيين"، تكشف الابتسامات عمقها.
فرغم مضي أسبوعين على تشكيل الحكومة، فإن القضايا الخاصة المتعلقة بشخص رئيس الوزراء، لا تزال تطغى على أحاديث الصالونات، في استعراض لمسيرة حياته السياسية موظفا ووزيرا ونائبا وسياسيا، وتصريحاته النارية ضد خصومه التاريخيين، إلى أن يصل إلى التشكيك في أنه يحمل جنسية كندية، في مخالفة دستورية إن صحت.
لهذا وغيرها، على رئيس الحكومة أن لا يَطْمئِنَّ كثيرا للثقة الشعبية التي مُنحت له في البداية، في ظل غياب البرلمان، والرئيس يعرف أكثر من غيره، أن الثقة المبالغ فيها لم تسعف حكومات قبله، ويكفي أن نذكرها أن حكومة سمير الرفاعي الثانية حصلت على 111 صوتا من مجلس النواب ولم تصمد سوى أربعين يوماً، ولا نتمنى أن يكون عمر حكومة النسور أقل من ذلك.
الجانب الاقتصادي، عقدة المنشار الرئيسية في البلاد، اضطر الرئيس قبل الإقدام على قرارات صعبة أن يوجه صدمة مباشرة إلى عقول الأردنيين، لا حل لدينا ونحن بين خيارين "رفع الأسعار أو سعر صرف الدينار"، إضافة إلى الأرقام الصادمة أكثر حول فاتورة النفط، والتي لم يستوعبها العقل في ظل أسعار النفط الهابطة في الأشهر الأخيرة.
ليعرف الرئيس ومطبخ صناعة القرار، أن الانتخابات المُؤمَّل أن ترسم خارطة طريق الأردن في السنوات الأربع المقبلة، سوف تتضرر بشكل مباشر وعميق إذا تم الإقدام على رفع الأسعار، وسوف تحتل قضية رغيف الخبز سُلَّم أولويات المواطن قبل صناديق الاقتراع.
إذا كان دقيقا أن الحكومة تنوي رفع الأسعار بعد عيد الأضحى، وأتمنى أن لا تفعلها، فإن عمر الحكومة لن يكون طويلا، وقد لا "تُرَبْعِنْ" مثل حكومة الرفاعي.
المنتظرون لعثرات الحكومة كثر، ومنح هؤلاء ذخيرة لقصف الحكومة هي محاولة انتحار حقيقية.
العرب اليوم