هل‎ ‎تمثل‎ ‎الحكومة‎ ‎الجديدة‎ ‎بداية‎ ‎لنهج‎ ‎جديد؟

هل‎ ‎تمثل‎ ‎الحكومة‎ ‎الجديدة‎ ‎بداية‎ ‎لنهج‎ ‎جديد؟
الرابط المختصر

لا شك ان الحكومة الجديدة اشاعت جوا من التفاؤل، لم تشهده البلاد منذ فترة.

هذا الجو ليس وليد قناعة، بأنها ستجترح المعجزات، فالكل يدرك انها حكومة انتقالية، ستنتهي مهمتها بانتهاء الانتخابات، ولكن لأن الجميع بات يبحث عن اية اشارات، قد يشتم منها ان صناع القرار باتوا يدركون خطورة الاستمرار بسياسات إقصائية، وانهم جادون فعلا وقولا في وضع البلاد على خطى ثابتة، لا تقلب فيها، تؤدي من خلال عملية تدريجية وتشاركية وجدية الى توسيع قاعدة صنع القرار، وبناء الاردن الحديث والمستقر والتعددي.

اذا كان الهدف من هذه الحكومة هو إرسال مثل هذه الاشارة، فهي بداية جيدة، وإن كانت متأخرة.

رئيس الحكومة الجديد مثقف، صاحب خبرة وموقف، نظيف اليد، منتخب، منفتح على كافة الآراء، لا التي يؤمن بها فقط فحسب.

ولا تمنعه تجربته الحكومية من إسداء النصيحة الصادقة لصانع القرار، بما في ذلك حجب الثقة عن حكومات، لم يكن مقتنعا بجديتها في الإصلاح.

بمعنى آخر، لم ينظر الرئيس الجديد لعمله في الدولة كما يتصور البعض، من ان المطلوب ان يكون جزءا من قطيع غنم.يمكن ايضا ان يكون الهدف، وارجو الا يكون، تخدير الناس، عن طريق إعطاء الانطباع بجدية الاصلاح، طالما ان الرئيس إصلاحي، ونحن نعرف ان الانتخابات ستجرى وفق نفس القانون غير التشاركي، كما نعرف ان قانون المطبوعات باق، هذا القانون الذي سنته السلطة التنفيذية بحجة منع اغتيال الشخصية، وهي أول من يمارس عمليات اغتيال الشخصية عبر بعض وسائل الاعلام المسيرة منها.

نعم، لا يمكن للعملية الإصلاحية ان تنجح دون قيادتها من قبل إصلاحيين، والرئيس الجديد احدهم، ولكن هذا الشرط، إن كان ضروريا، فهو ليس كافيا، وكلنا ما يزال يذكر كيف تم تقديم رئيس الوزراء الإصلاحي السابق عون الخصاونة على انه المنقذ الأعظم، لتتهمه ابواق الدولة الاعلامية ذاتها بشتى الاتهامات، بعد بضعة اشهر فقط، لأنه اجتهد في ممارسة الولاية العامة.

فلتجر الانتخابات وفق قانون إقصائي، وليبق قانون المطبوعات مرحليا، فلا مجال لتغييرهما الآن، فما نحن فاعلون بعد ان ننتخب مجلسا كسابقه، وتأتي حكومة جديدة قد تكون على شاكلة نهج الرئيس الحالي وقد لا تكون.  حان الوقت كي لا يبقى الإصلاح مرهونا بأشخاص، خلصت نواياهم أم لم تخلص.

فإن تدنت شعبيتهم استبدلوا، وبقيت قراراتهم نافذة.

كما تعودنا ان نقتل المذنب ليعيش الذنب.بعد مرور ما يقرب من عامين على انطلاقة اليقظة العربية الثانية، فقد حان الوقت لعمل مؤسسي، لخلق تيار يؤمن بالتعددية، له وللآخرين، ويحارب من اجل حقه وحق الاخرين بإبداء الرأي وبالوسائل السلمية، تيار لا يدعي احتكار الحقيقة، ويقف ضد من يدعي احتكارها.

حان وقت "الحوزبة"، اي الانخراط في العمل الحزبي المنظم، الذي يحارب من اجل عملية إصلاح جادة، تعتمد المؤسسية والعمل المنهجي والعلمي، اكثر من الاعتماد على الاشخاص والنوايا الطيبة حينا، وغير الطيبة احيانا.

في البيئة التي يعيشها الاردن، كما تعيشها معظم اقطار الوطن العربي، فإن الاعتماد على القوتين الرئيستين في المجتمع، السلطة التنفيذية والمعارضة الدينية لقيادة المعركة من اجل التعددية لم يحقق النتائج المرجوة.

فلا السلطة، التي تعودت احتكار عملية صنع القرار، تبدو راغبة او جادة في المشاركة، ولا المعارضة الدينية، التي اسقطت تفسيرها للدين على العمل السياسي، تبدو مدركة انها لا تستطيع احتكار الحقيقة، مختبئة وراء ستار الدين.ليس من الصحي ان يبقى هذان الخياران وحدهما في الساحة، ولا بد من خيارات اضافية، تستمد قوتها من قواعد شعبية وبرامج واضحة، يتم الانتخاب على اساسها.

نعم، لقد بدأت بعض المحاولات لخلق مثل هذه التيارات، بعضها اكثر جدية من بعضها الآخر. بعض هذه الجهود ما تزال تتركز حول بضعة اشخاص من عمان الغربية، تعمل لتسجيل حزب  في وزارة الداخلية اولا، ثم تبحث عن قاعدة شعبية لاحقا.

نحن بأمس الحاجة لعمل منظم على الأرض، يعمل مع الناس في مختلف مواقعهم، ويبلور برامج واضحة، يقتنع الناس بها تماما، كما يفعل الاخوان المسلمون، حتى اذا تبلور تيار شعبي، ذات برامج واضحة تحول لحزب سياسي، وسار الى تسجيله رسميا، وليس العكس.ما من شك ان جهودا كهذه تحتاج لوقت كثير.

غالبية الناس متشائمة في نجاح فرص تيارات ثالثة في الاردن، في ظل سلطة تنفيذية لا تريد مشاركتها السلطة، ومعارضة دينية سبقت أي جهد آخر بعقود من الزمن، قضتها بالعمل على الأرض.

لكن ليس من خيار آخر، سوى ان تبدأ هذه الجهود، دون التوقع ان تكون النتائج آنية او سريعة، وقد تأخذ عقودا من الزمن. هناك فراغ سياسي وفكري كبير اليوم، في ظل سلطة تنفيذية، بنيت على اساس ريعي، ولم تنجح بإقناع الناس بنيتها التحول لنظام ديمقراطي، ومعارضة دينية لم تشرح بوضوح كيف يتوافق تفسيرها للدين مع التعددية السياسية، وحقوق المرأة كاملة ومساواة الناس الكاملة امام القانون، والتداول السلمي للسلطة في كافة الأوقات.

هذا الفراغ بحاجة ان يملأ من قبل خيار ديمقراطي، لا يقبل بهيمنة دينية او مدنية، ويحارب على جبهتين: الاولى تتمثل بحق الجميع بالعمل السياسي، والثانية بعدم حق احد احتكار السلطة او الحقيقة.

من يحمل لواء هذا الخيار الديمقراطي الحقيقي، وليس خيار الديمقراطية الزائفة، التي تقبل لنفسها ما تنكره على الآخرين؟

الامل معقود على الجيل الجديد، الذي لم يعد يقبل ما قبله آباؤه وامهاته. ولكن المأمول ان لا يقع هذا الجيل في خطأ الجيل، الذي سبقه، من محاولة احتكار الحقيقة، وان يعي ان النوايا الطيبة والمبادئ الصادقة ليس لها مكان في المعترك السياسي، ان لم تقرن بعمل تنظيمي على الارض.

لا تبدو الدولة جادة في المساعدة على بلورة مثل هكذا تيارات. لا بأس. لا يحتمل الجيل الجديد الانتظار حتى تخرج الدولة من قوقعتها. رحلة التعددية يجب ان تبدأ اليوم

. * نائب رئيس مؤسسة كارينغي للسلام

الغد