نصائح للحكومة

نصائح للحكومة

"إن السلطة اللعينة القائمة على الامتيازات، مصحوبة بالنساء والشمبانيا ولعبة البريدج، قد انهارت، وها هي الديمقراطية تستأنف هيمنتها، مصحوبة بالنساء والشمبانيا ولعبة البريدج". الشاعر البريطاني هيلبر بيلوك بمناسبة الانتصار الانتخابي الذي حققه الحزب الليبرالي العام 1906.

تلقت الحكومة الجديدة قدرا هائلا من الأفكار والملاحظات والاقتراحات، كما ظهر في وسائل الإعلام. وهو تقليد جديد ربما، أو لم تكن الأفكار والاقتراحات من قبل بهذه الكثافة. ولعلها ظاهرة جيدة على أي حال، تتيح المجال للحوار وملاحظة الأولويات ووجهات النظر المختلفة.. والمصالح المختلفة أيضا.

ويجب أن أؤكد هنا أن تعبير المصالح لا يعنى به الذمّ، بل العكس. فالأفكار والبرامج إذا كانت معزولة عن مصالح المناطق والطبقات والفئات الاجتماعية والاقتصادية، فإنها معرضة للنقص والفشل.. والفساد أيضا.

فالمثالية المجردة والمعزولة مريبة، ولكنها يجب أن تشكل قدرا مناسبا ومعقولا من البرامج والمشروعات. وهذه إشكالية تحتاج إلى مراجعة في الفكر السياسي الأردني الذي يصر (لفظيا) على نزعة مثالية لا يمكن احتمالها أو تطبيقها، ويسلك عمليا وتطبيقيا باتجاه واقعي.

البعد الثاني المغيب في الخطاب السياسي والفكري هي "النسبية". فالأفكار ينظر إلى أهميتها وأولويتها والحاجة إليها نسبة إلى الزمان والظروف والطبقات والمصالح المعبرة عنها. وليس ثمة فكرة يمكن النظر إليها على نحو مطلق.

وما يفترض أن يمثل أولوية لحكومة د. عون الخصاونة ربما يكون تاريخا بعد سنوات قليلة، وما كنا نطالب به من قبل أصبح كثير منه متقادما.

والواقع أن استمرار المطالب والأفكار إياها برغم تعاقب الحكومات والزمن يؤشر على احتمالات جميعها سلبية: فإما أن الحكومات لم تنجز شيئا يذكر يجعل الأولويات والاحتياجات ملحة، لأن أحدا لم يفعل لأجلها شيئا برغم مرور زمن طويل على الوعي بها؛ وربما يعني أنها أنجزت ولم نلاحظ ذلك، وأننا نواصل العمل والنضال لأجل أهداف متحققة ابتداء، ما يعني توقف الوعي والأفق عند مرحلة زمنية معينة ربما تكون أصبحت من الماضي؛ وتؤشر أيضا على غياب نسبية الصواب والخطأ حسب زاوية ومصدر النظر إلى الأفكار والبرامج، ما يعني جدلا متواصلا وتغيرا متواصلا في الأفكار والأولويات، وأن هذه البرامج والأفكار ليست مقدسة وأن الاختلاف حولها أيضا ليس ثابتا، فيمكن أن تتبدل الآراء والمواقف ولا عيب في ذلك، وما كان يبدو صوابا بالأمس قد يكون اليوم خطأ، والعكس صحيح أيضا.

النسبية وعدم اليقين غيرت الحضارة والأفكار. والديمقراطية في الحقيقة تقوم على غياب اليقين، أو عدم معرفة الصواب. ولأن أحدا لا يملك الصواب، فإننا نلجأ إلى الحوار والانتخابات والبحث عن آليات تقربنا منه وتتيح لنا بسهولة وبساطة تغييره عندما نكتشف أنه خطأ وليس صوابا. من غير عدم اليقين وإدراك عدم معرفة الصواب أو امتلاكه فلا مجال للإصلاح ولا المشاركة أيضا.

الغد

أضف تعليقك