نريد حكومة تؤمن بالاصلاح

نريد حكومة تؤمن بالاصلاح

كشف تقرير لجنة التحقيق النيابية في ملف الكازينو عن عمق الأزمة الأخلاقية والإدارية والسياسية التي تعاني منها الحكومات المتعاقبة, والتعميم هنا ليس بهدف التخفيف من الآثار السيئة التي أحدثتها تصرفات وسلوك حكومة معروف البخيت في قضية الكازينو, بل للتأكيد على ان ما تم كشفه لغاية الآن من فساد إداري متورطة به حكومة البخيت السابقة من مخالفات صريحة للقانون والدستور, وممارسات ملتوية تصل حد التزوير في الأوراق الرسمية, لتمرير مشروع لحساب مجهولين ليس مخالفا للدستور فحسب, بل وللخلق الذي يفترض ان يتحلى به المسؤول, وهذا لا يخص حكومة البخيت وحدها بل يبدو ان معظم الحكومات متورطة بفضائح من العيار الثقيل. طالما تحدثت وسائل الإعلام وبعض الشخصيات الوطنية عن ضرورة التحقيق في العديد من ملفات الفساد المتراكمة, والتي أسهمت بتفاقم المديونية بشكل خطير, وتردي الأوضاع المعيشية, وبروز مظاهر غريبة على المجتمع الأردني,من المشاجرات الجماعية واستخدام العيارات النارية, وزيادة حالات الانتحار وتفسخ بعض مظاهر العلاقات الاجتماعية, بسبب الإحباط واليأس الناجم عن حالات الكبت والحرمان وارتفاع معدلات البطالة, والسلوك المشين لبعض المسؤولين المتورطين بالفساد وانهيار القيم الإنسانية واختفاء المصداقية.

اللجنة النيابية لملف الكازينو حّملت رئيس الحكومة معروف البخيت المسؤولية الأدبية والقانونية عن اتفاقية ترخيص الكازينو الذي كان سيقام في البحر الميت, واعتبرته مخلاً بواجبات الوظيفة وسوء استعمال السلطة, كما حمّلت وزراء في حكومته السابقة المسؤولية, والغريب ان تقرير اللجنة النيابية حصل على 86 صوتا في الجولة الاولى من التصويت, والمتعلقة بوزير السياحة الاسبق, اما الجولة الثانية المتعلقة برئيس الوزراء لم يصوت باتهام الرئيس سوى 50 نائبا, ودون الحديث عن هذه المفارقات الغريبة, إلا ان ما جرى ويجري يؤكد على مسألتين أساسيتين الأولى: اذا كان تصويت المجلس انقذ الرئيس من الاتهام, فهذا لا يعني ان الرئيس يستطيع مواصلة القيام بمهامه في الرئاسة, وبغض النظر ان كان الاتهام حاز على اصوات اقل من المطلوب بقليل, عدا عن التساؤلات المطروحة حيال قضية التصويت بحد ذاتها, بتراجع اصوات اتهمت الوزير في الجولة الاولى ورفضت اتهام الرئيس في الجولة الثانية, وهذا ما يحتاج الى تفسير من النواب المعنيين, عدا عن المخالفات التي حدثت في الجلسة وتركت تداعيات وصلت حد الاستقالات, او اعلان المقاطعة لجلسة الخميس.

أما المسألة الثانية: تتعلق في جوهر ومضمون مكافحة الفساد, فالنظم الديمقراطية تحيل عادة قضايا الفساد الى القضاء, وبغض النظر عن المنصب او الموقع الاجتماعي الذي يحتله المتهم, سواء كان وزيرا ام موظفا ام شخصا خارج الوظيفة العامة, فالقضاء هو صاحب الحق, وهو الذي يتمتع بالامكانيات والقدرات باتخاذ قرار ادانة او براءة اي متهم وفقا للاصول المتعارف عليها بالمحاكم المدنية, محاكمة نزيهة وشفافة وعادلة, وهنا التأكيد على المحاكم المدنية وليس العرفية او محكمة امن الدولة, بل محكمة مدنية وقضاء مستقل عن السلطات التنفيذية.

وهذا يتطلب تحقيق اصلاحات دستورية وسياسية, تضمن استقلال السلطات, وإحالة قضايا الفساد للمحاكم المدنية لتوفير محاكمة عادلة لاي متهم بغض النظر عن موقعه ومركزه الرسمي, وقضية الاصلاح ليس فقط من اجل تحويل المتهم الى القضاء, بل من اجل سد منابع الفساد, من خلال انتخابات ديمقراطية تستند الى قانون ديمقراطي,ونظام انتخابي يؤمن وصول مجلس نيابي يعكس ارادة الشعب الاردني, ويتحمل مسؤوليته لاقامة دولة ديمقراطية, وتداول سلمي للسلطة, وتتمتع بشفافية عالية, تحرم الفاسدين من الوصول الى السلطة, حتى وان تسلل بعضهم الى موقع مسؤول لا تواجه المؤسسة الديمقراطية كثير العناء لكشفه ومحاسبته بموجب القوانين, الدولة الديمقراطية التي تتمتع مؤسساتها بالشفافية تحرم المتربصين من اتخاذ القرارات الخطيرة في الظلام, وتحمي المال العام من الفاسدين.

أما موضوع رئيس الوزراء الذي افلت من الاتهام الرسمي فقد ارتبط اسمه بعدد من القضايا التي اضعفت دوره وعززت الاتجاه القائل ان عليه ان يغادر الدوار الرابع, وهذا متوقع في وقت ليس بعيدا, فهذه القضية ليست الوحيدة التي أثارت إشكالات للرئيس, فقد سبق واعترف الرئيس بوجود تزوير في الانتخابات النيابية في عهد حكومته السابقة, دون ان يحرك ساكنا, وقد قوبلت حكومته الجديدة باستياء شعبي ورفض من القوى الوطنية لتزوير انتخابات ,2007 وقد اضيف الى رصيده غير الشعبي قضية خروج السجين خالد شاهين الى خارج البلاد وما زالت هذه القضية تتفاعل, بعد استقالة وزيري العدل والصحة في حكومته, والاعتقاد السائد ان وزراء آخرين متورطون في هذه القضية, اما استقالة وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة طاهر العدوان على خلفية دفع قوانين لمجلس النواب تتعلق بتكميم الافواه ومعاقبة وسائل الإعلام, وتقييد الحريات, ومعاقبة من يؤشر على قضايا الفساد, دليل أخر على ان هذه الحكومة غير مؤهلة للقيام باصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.

العرب اليوم

أضف تعليقك