من يملأ الفراغ الإصلاحي المتوقع

من يملأ الفراغ الإصلاحي المتوقع
الرابط المختصر

المشهد الإصلاحي الوطني في غاية التعقيد من حيث الشكل والمضمون وإدارة الملف. وهذا التعقيد مرشح لأن يقوض جهود الإصلاح وإرادته، والدلائل الأخيرة باتت تشير أننا نسير باتجاه نهايتين غير بناءتين لا ثالث لهما: فإما أن تتمخض جهود الإصلاح الحالية عن فتات لن تسمن أو تغني، أو أننا سنتجه نحو مزيد من التصعيد من قبل المعارضة المنظمة والعفوية، ما سيؤدي لمزيد من الضبابية وربما التعبئة السياسية غير الحميدة.

الحكومة تسير في مساحة سياسية آمنة في إدارتها لملف الإصلاح، وضمن هاجس استراتيجي أساسي هو عبور المرحلة المضطربة بأمان وبأقل التنازلات الإصلاحية، وهذا مشروع وفيه فطنة سياسية. في حين أن هاجس المعارضة الأساسي يبدو مرتبطا باستغلال اللحظة الإقليمية والوطنية لإحقاق اختراقات سياسية إصلاحية مقدرة.

لدى الحكومة أوراقها العديدة، تعلوها القدرة الكبيرة على إحقاق انقسام بين المعارضة العفوية ذات الأساس الاقتصادي وتلك المنظمة ذات الأساس السياسي، هذا بالإضافة لقدرتها الهائلة على احتواء ما يجري سياسيا واقتصاديا. في حين أن المعارضة لا تمتلك أكثر من ورقة الإقليم المضطرب، وأنها الأقدر في التأثير بالرأي العام لأنها أعقل من المعارضة العفوية الجديدة ذات السقوف المنفلتة. ميدان استخدام هذه الأوراق الأول سيكون ضمن التعامل مع مخرجات اللجنة المكلفة بالتحاور بشأن الإصلاح، والتي على الأغلب ستنتهي إلى تفاهمات لن تقبلها المعارضة، رغم أن الحكومة ستكون في موقع سياسي آمن تقدم من خلاله مشروعها الإصلاحي على أنه توافقي.

ستنهكنا هذه الثنائية الإصلاحية بين ما سيعرض وما هو مطالب به، تماما كما انهكتنا ثنائية القديم التقليدي والجديد الليبرالي، ففي الحالتين لم تكن هناك قدرة على الاعتراف وربما رؤية إمكانية وجود بديل ثالث مقنع ومجد وغير مكلف سياسيا. الفجوة الإصلاحية بين ما سيعرض وما هو مطلوب ستزيد منسوب الشحنات السياسية السلبية التي تملأ جزءا من الفضاء العام، ما سيضطرنا للدخول في مرحلة جديدة غير مستدامة من الاحتواء السياسي بأدواته العديدة.

من وحي هذه الصورة المتوقعة، نجد أن المشهد مهيأ لجهد وطني حيادي علمي واستباقي يقوم ببلورة صورة إصلاحية تملأ الفراغ ما بين مساحة الحكومة الآمنة التي ترسمها الآن وتسير إليها بذكاء، وبين مطالب المعارضة من جهة وضرورات الإقليم المضطرب من جهة أخرى. جهد وطني حيادي ومتقدم لا يهدف لإلغاء أو إقصاء أحد، ولكنه محاولة لتحديد الإصلاح المطلوب أردنيا بعيدا عن أي حسابات سياسية لأي طرف رسمي أو أهلي. لم نعبر عنق الزجاجة بعد، وإيانا والغرور السياسي والاستكانة، لأن لذلك عواقبه الوخيمة، وقد دفعنا بالفعل ثمن استكاناتنا في السابق، فقد تنامت سقوف مطالب المعارضة ووصلت حدودا كانت تعتبر لزمن قريب من المحرمات من جراء التلكؤ والتباطؤ بالإصلاح والاستخفاف بمن يطالبون به. هذا غير مبرر بعد اليوم، فالاستباقية هي من عناوين المرحلة الرئيسة، وهي الوسيلة الأجدى للإصلاح السياسي المنشود.

الغد

أضف تعليقك