من يستحوذ على دعم الخزينة؟
ليس صحيحا ان سياسة الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لبعض الشرائح الاجتماعية تعتبر خللا في السياسة الاقتصادية التي تتبعها الدولة, او تخلفا كما يدعي البعض, والا لكانت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي افشل الدول اقتصاديا بسبب مليارات الدولارات التي تقدمها لقطاعات تربية المواشي والمزارعين على حد سواء, لا بل ان تلك الدول تقدم دعما ماليا مباشرا وغير مباشر لقطاعات صناعية رائدة مثل صناعة الطيران والفضاء.
سياسة الدعم لها اسبابها وموجباتها التي تقتضي من المعنيين اتباعها لتحقيق غرضين رئيسيين, اولهما دعم استمرارية العمل في قطاعات حيوية استراتيجية لها ارتباط بمفهوم الامن الغذائي الوطني مثل الزراعة وتربية المواشي, ثانيها هو تقديم دعم مالي رسمي لسلعة مهمة حيوية لتكون في متناول ايدي المواطنين خاصة الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل التي لا تستطيع شراءها بسعرها العالمي المرتفع مثل المحروقات والخبز.
التشوه الحاصل في سياسة الدعم المتبعة لدينا من الحكومة هو عن قصد في اعتقادي, لان من يدقق بمن يستفيد منه في الاردن يجد ان الطبقات الغنية هي التي تستفيد من الدعم المالي الرسمي, بمعنى اخر ان الحكومة تدعم الاغنياء اضعاف ما تقدمه للفقراء.
ارقام وزارة المالية تدلل بوضوح على ان الحكومة تناصر الاغنياء على حساب الفقراء, فعلى سبيل المثال تحصل شريحة اغنى 20 بالمئة من المجتمع على ما نسبته 42 بالمئة من دعم المحروقات المقدر بحوالي 237 مليون دينار, في حين تتلقى افقر 20 بالمئة من المجتمع على ما نسبته 8.9 بالمئة فقط من هذا الدعم, هذا يعني ببساطة ان الفرد الثري في المجتمع يحصل على دعم سنوي من المحروقات مقداره 90 دينارا, وتحصل اسرته على 500 دينار سنوي, اما الفرد الفقير فتبلغ حصته من هذا الدعم 19 دينارا فقط وتبلغ حصته حوالي 100 دينار, بمعنى اخر ان حصة الفرد من شريحة الاغنياء من دعم المحروقات تعادل تقريبا حصة كامل حصة الاسرة الفقيرة من هذا الدعم, وبحسبة اخرى يتضح ان شريحة الفقراء التي من المفترض ان يصلها جل هذا الدعم لا تنال سوى 8 بالمئة فقط من قيمته في حين ان شريحة الاجانب وغير الفقراء تستحوذ على 92 بالمئة من الدعم.
اذا ارادت الحكومة ان تلغي سياسة الدعم بشكل كامل وانا اشك في هذا التوجه فعليها اولا ان تضاعف رواتب العاملين لديها بشكل مجدٍ وان تحصر الشرائح الاجتماعية الفقيرة باسلوب حضاري ونوعي لتوجيه جزء من اموال ذلك الدعم الى مستحقيه الحقيقيين والا ستبقى الحكومة على حالها, يوما تصدر قرارا ويوما تلغيه وهكذا.
العرب اليوم