من يستحق التحية أثناء العاصفة الثلجية؟
إن الذين يتمتعون بالشجاعة والجرأة في قول الحق، والصدع بما يعتقدونه صواباً في رصد حالات الفساد والأخطاء الفاحشة للمسؤولين ولكل من يمارس الولاية العامة، ينبغي أن يتمتعوا بالقدر نفسه من الشجاعة والجرأة في رصد الحالات الايجابية والمظاهر الخيّرة، والتصرفات الأمينة على المصالح العامة من قبل عدد لا بأس به من المسؤولين والجنود المجهولين الذين يقدمون الخدمة للجمهور، ويحرسون مصالح الناس في الظروف الصعبة والاستثنائية.
العاصفة الثلجية الأخيرة التي اجتاحت البلاد شمالاً وجنوباً، كشفت عن أخطاء متكررة يقع فيها بعض أصحاب مواقع المسؤولية، يجب التنبيه اليها من أجل المعالجة، ويجب تشديد المحاسبة على المقصّرين من أجل تلافي التقصير وعدم الوقوع في الخطأ نفسه مرات ومرات، وفي الوقت نفسه يجب البحث عن النقاط المضيئة في هذا الظلام، ويحب تشجيع أصحاب المواقف الصحيحة، والمبادرات الخيرة، من أجل تعظيم مساحات الخير والتفاؤل، ومن أجل تكثير أهل المروءات وتعظيم دورهم في تقديم الأعمال التطوعية وتقديم الخدمة العامة، والتعاون مع أصحاب المسؤولية في خدمة أصحاب الحاجات.
في هذا الخصوص أشعر أنه من الواجب تقديم التحية الممزوجة بالتقدير والاحترام لرجال المرور ودائرة السير والشرطة ورجال الأمن العام، وموظفي الأشغال العامة وكل الجنود المجهولين الذين وقفوا ساعات طويلة في الأجواء الباردة وفي هذه الظروف الاستثنائية، من أجل تسهيل حركة السيارات، وتقديم العون للذين تعطلت سياراتهم، وفتح الطرق المغلقة وتصريف المياه المتجمعة، وإنقاذ من دهمت المياه بيوتهم، والذين يقودون سيارات الاسعاف والنجدة، والذين كانت أرجلهم تغوص في أكوام الثلوج المتجمدة، أو يخوضون بأجسامهم برك المياه المتجمعة في الأنفاق والأحواض والشوارع الممتلئة، كل هؤلاء يستحقون الدعم والشكر والتقدير بكل كرم وسخاء.
الفئة الأخرى التي تستحق الاشادة هم اولئك الشباب الذين قاموا بمبادرات عمل تطوعي للإغاثة وتقديم العون للمواطنين في الأحياء المنكوبة، ولكل من تقطعت بهم السيل، فهؤلاء يشكلون نقطة ايجابية مضيئة تصنع ثقافة جديدة تقوم على تقديم لون جديد من التعبير عن الانتماء الوطني الحقيقي والتعبير عن الولاء للأمة بلغة الفعل والعمل والممارسة والتطبيق بدلاً من ممارسة اللغو والكلام والهرطقة وهو غارق في فراشه الدافئ.
العاصفة الثلجية هي ظرف استثنائي حقيقي بكل معنى الكلمة، وسوف تؤدي إلى بروز حالات غير متوقعة، مهما كانت درجة الاستعداد المسبق، وهذه الظروف الاستثنائية تحتاج إلى جهود استثنائية موازية من المسؤولين وأصحاب الولاية العامة أولاً، ومن كل قطاعات الشعب والمواطنين ثانياً، وخاصة من فئات الشباب والفتيان القادرين على تقديم أعمال الاغاثة والخدمة التطوعية لأهلهم وأقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم ومواطنيهم.
نحن بحاجة إلى مبادرات شبابية جديدة، في كل المدن والقرى والأحياء، فالشباب مطالبون بتشكيل تجمعات تطوعية من أصحاب الفتوّة والمروءة، ليكونوا على أهبة الاستعداد للتعاون مع الجهات المسؤولة، ولديهم القدرة على تقديم أعمال الانقاذ عندما يكون الحي أو المدينة بحاجة إليها، مثل فتح طريق، أو تصريف مياه، أو دفع سيارة متعطلة، أو توزيع الخبز والمحروقات، أو ازالة الأذى عن الطرقات، ويمكن تشكيل غرفة عمليات فيها مناوبون ويصغون هواتفهم تحت الطلب.
الأندية الرياضية في مثل هذه الظروف يجب أن تكون قادرة على تقديم الخدمة النموذجية للمواطنين، ويجب أن تكون الفرق الرياضية مؤهلة لتقديم مثل هذه الاعمال التطوعية، فما فائدة الرياضة إذن؟ وما فائدة التربية الجسدية وتعظيم القوة البدنية إذا لم تكن مقترنة ببعض القيم النبيلة؟ فالرياضة فروسية ورجولة وخدمة عامة، قبل أن تكون تجارة وحرفة ووسيلة تكسب واستعراض شكلي، ونعرات جهوية وتغذية متعصبة!
نحن جميعاً مطالبون بالاستنفار في مثل هذه الظروف الاستثنائية وكل واحد فينا ينبغي أن يسأل نفسه سؤالاً مهماً: ماذا يستطيع أن يقدم للوطن؟ وكيف يقدم الخدمة؟ قبل أن يمارس الشكوى والتظلم والنقد الجارح للآخرين؟!!
العرب اليوم