من سيدفع فاتورة المهاترات!
ألمع السياسيين في تاريخ البلد ، تخرجوا من جامعات عربية كانت تعيش جواً سياسياً ، فالطالب آنذاك كان متفوقاً ، وفي ذات الوقت ناشطاً سياسياً.
يروي لك كثيرون عن ذكرياتهم في سنوات القرن الفائت ، فتسمع انه كان يدرس الطب او الهندسة في جامعات بغداد ودمشق والقاهرة ، لكنه في ذات الوقت يمارس نشاطاً سياسياً منظماً ، فيخرج في مسيرات ، وينذر نفسه لقضية كبرى.
الامر ذاته كان موجوداً في الجامعات هنا ، فاليرموك والاردنية ، على سبيل المثال ، كانتا تنتجان ابرز الكفاءات ، دون ان تفتقد هذه الكفاءات الى حس سياسي ، والى ايمان بقضية قومية ، وحين كانت الجامعات هكذا لم نكن نسمع عن مشادة بين اثنين.
طلبة جامعات اليوم ، اما تراهم في احضان الكوفي شوبات ، ومطاعم الوجبات السريعة ، واما في مكتبات النسخ السريع ، او بيع الابحاث الجاهزة ، او نائمين على محرك غوغل لسرقة فقرات وكتابة بحث ، وفي حالات اخرى يستغرقون في البصم والحفظ.
فوق ذلك عصبيات وضيق رؤية ، وتشنج يتنافى مع فكرة الجامعة ، وغضب جذوره خارج الجامعة ، وهي جذور تتغذى يومياً ، زادها الغضب غير المنتج.
فكرة الجامعة اساساً قائمة على صهر الطلبة وتبادل الخبرات والثقافة ، وتحصيل الجديد ، والخروج من ثوب المدرسة ، ونزاعات ما بعد الدوام بين الطلبة ، وتبادل ضرب الحجارة.
المخازي التي يرتكبها طلبة في جامعات كثيرة حكومية وخاصة ، باتت ظاهرة خلال السنوات الاخيرة ، ولو احصينا مشادات الجامعات لاكتشفنا انه ما من جامعة الا وحدثت فيها مشادات ، ثم تسأل نفسك: هل هؤلاء هم الذين سيقودون المستقبل؟.
العنف الطلابي له جذور تأتت من العنف الاجتماعي العام ، اذ باتت القصة على ما يبدو استعراضا للعضلات ، وتنافخا ، بدلا من التنافس الاكاديمي ، وكأننا لسنا في جامعات محترمة ، ثم السؤال حول هيبة المؤسسة العامة التي يتم هدرها على يد هؤلاء.
خسائر العنف الطلابي تتجاوز خسائر طرف او طرفين ، وتمتد الى تدمير سمعة التعليم في الاردن ، وتحطيم ميزته الاساسية ، فالذي يطلق النار من مسدسه في حرم جامعي او يأتي حاملا خنجراً ، لا يأخذ حقه ، بقدر تدميره لسمعة التعليم في البلد.
من كثرة خض الماء في ملف التعليم الجامعي ، لم نر سمناً ولا زبدة ، والحل واضح ، ويتلخص في اعادة النظر في كل شروط القبول ، وفي طريقة التدريس ، وفي نشاطات الطلبة ، وفي العقوبات ، وفي الفهم العام لمعنى طالب الجامعة.
حين لا تكون هناك قضية لاي طالب يؤمن بها ، ولا يكون هناك ايضاً تعليم حقيقي يتفرغ الطلبة للهوايات غير المنهجية ، التي ابرزها تحويل الجامعات الى ساحات خلفية للمشادات ، كطلبة الابتدائي ، الذين يضربون بعضهم بالحجارة ، في مشهد بدائي جداً.
لا مجاملات ولا لف ولا دوران حول اصل القضية ، فهؤلاء طلبة اضروا بسمعة تعليم الاردن على مدى السنوات الماضية ، لان اغلبهم وصل الجامعة دون ان يستحق ، او لان والده قادر على دفع الرسوم ، ولو كانوا طلبة يريدون ان يتعلموا حقاً ، لما وجدوا الوقت لكل هذه المهاترات.
حين لا تكون هناك قضية كبرى ، ولا تعليم ، فمن الطبيعي ان يتفرغ الطلبة لتوافه الامور واسوئها ، وهكذا مهاترات في جامعاتنا خلال السنوات الفائتة ، لا يدفع ثمنها الطلبة وحسب ، بل ان فاتورتها تصل الى كل واحد فينا.
الدستور