من "سرق" الجامعة!
لم يجافِ الصواب وزير التعليم العالي، د.وليد المعاني، في حديثه مع التلفزيون الأردني (يوم الخميس الفائت)، عندما قال نصّاً "إنّ هنالك أساتذة جامعات كان يجب ألاّ يسمح لهم بدخول أبوابها"، بل هو لم يتجاوز التأكيد على الحقيقة المُرّة التي يعرفها الأكاديميون والمراقبون لأحوال جامعاتنا.
المعاني ليس أوّل من حذّر من انهيار التعليم العالي، فقد سبقه د.عدنان البخيت عندما أطلق تحذيراً أكثر خطورة وأشد لهجة قبل أعوام واصفاً التعليم العالي في الأردن بأنّه "يلفظ أنفاسه".
كل ما في الأمر أنّ المعاني كان صريحاً في ذلك اللقاء على غير عادة المسؤولين ولم يشأ أن يغطّي الشمس بغربال، ويحمّل الإعلام مسؤولية تضخيم الخراب، الذي أصاب جامعاتنا، على عادة المسؤولين الأفاضل، بل اعترف بحجم المشكلة وبتراكم السياسات الخاطئة، وتلك هي الخطوة الأولى في طريق إصلاح التعليم العالي وتصحيح المسار.
التعليم العالي في الأردن تراجع كثيراً خلال السنوات الأخيرة، وفقد ميزته الإقليمية، ولم يعد مستوى أساتذة الجامعات، أبداً كما كان سابقاً، بل هنالك مجموعة من الأساتذة يعانون من الأُميّة الثقافية، وبعضهم
الأخلاقية (!).
وثمّة ضخ جائر وكبير بآلاف الطلاب إلى الجامعات، وبدلاً من حلّ مشكلة المدارس الأقل حظّاً التي تعاني من اختلالات تعليمية وتربوية كبيرة وتقصير حكومي متراكم معها، جرى نقل المشكلة إلى الجامعات عبر "كوتا" خاصة بهؤلاء الطلاب.
ما سرّ التدهور في الجامعات الأردنية؟ الجواب بكلمة واحدة "ضرب استقلاليتها"، والتدخل غير المسؤول والعابث بها، من خلال التحكم بالتعيينات وفقاً لأسس لا علاقة لها بالمعايير الأكاديمية والمهنية، سواء أكانت لاعتبارات أمنية أم اجتماعية لغايات سياسية في سياق سياسات "الاسترضاء" والمحاباة..
ما وصفه المعاني هو "غيض من فيض" أحوال جامعاتنا، الحكومية والخاصة، والمسكوت عنه أكبر بكثير، لذلك ليس من الإنصاف محاولة الزج بتصريحاته في سياق "تصريحات التأزيم" السابقة، التي أطلقها وزراء بطريقة غير مسؤولة ولا مقبولة، فالرجل وصف حالاً موجودة وحمّل مسؤوليتها لتجاوز وتجاهل الأنظمة الإدارية في الجامعات.
إذا كان هنالك مسؤولية على المعاني، فتتمثّل حصرياً في مساءلته منذ أن أتّى إلى موقع وزير التعليم العالي إلى اليوم، وأحسب في هذا المجال أنّ الرجل قد صحّح كثيراً من الأخطاء والعثرات، وإن كانت هنالك قرارات له أثارت جدلاً وخلافاً في أوساط الجامعات والأكاديميين، فتلك تخضع لنقاش عقلاني ومحترم بعيداً عن "التصيّد في الماء العكر"؟
شخصياً، لا أستطيع أن أفهم كيف يُشكّل مجلس التعليم العالي ولا نرى قامة بوزن د.محمد عدنان البخيت فيه، ولا حتى في تشكيلة رؤساء الجامعات الجديدة؟! وهو المشهود له بنجاح باهر في تجربتي مؤتة وآل البيت!
"من سرق الجامعة؟!".. فتراجعت بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية، بدلاً من أن تتقدّم؟! هو سؤال لا بد أن نطرحه اليوم بصراحة وأمانة، لمساءلة اللحظة الراهنة ورسم ملامح مرحلة جديدة، لكن بلا شك أمامنا رحلة تحتاج إلى مراحل وخطوات في الاتجاه المعاكس وصراع مع قوى مستفيدة من الوضع الراهن، وقبل ذلك لا بد من قرار سياسي صارم بـ"استعادة الجامعة"؟!