مفترق البخيت

مفترق البخيت
الرابط المختصر

أبسط ما يوصف به رئيس الوزراء معروف البخيت، أنه رجل محترم، وأهم ما في سيرته أنه رجل نظيف مالياً، لا بل هو من سواد الأردنيين، ولكن الأهم في حكومته أنها الوحيدة في عهد الملك عبدالله الثاني التي ستحل بعد حركة احتجاج في الشارع أطاحت بحكومة سابقة، رغم أن أسباب ذلك كانت موجودة في حكومات سابقة، فبطء الإصلاح والفساد وتعدد المؤسسات المستقلة ليس من صناعة حكومة سمير الرفاعي، لكن الشارع لم يرد الرفاعي رغم ان الدنيا أرادته.

أزمة حكومة البخيت ستظهر مع التشكيل وبعده، إن كرر طريقة اختياره السابقة في حكومته الأولى، وهو حاليا يجري مشاورات تحمل مؤشرات طيبة، أو في الفريق الذي سيحيط به في دار رئاسة الوزراء. وهذان الأمران لم يسعفاه سابقا لا في مواجهة خصومه ولا في تحقيق إنجازات تترك أثرا له ولحكومته الأولى، التي واجهت خناقا مكثفا من رموز سياسية وأمنية آنذاك إلى حد تورط أقطاب بتزوير انتخابات 2007 ومن ثم تسمم مياه منشية بني حسن وقضية الكازينو التي وسمت حكومته وظلت تطاردها.

لكن الرجل كان واقعيا إذ اعترف بمسؤليته كرئيس، وبقدرة خصومه على إضعاف حكومته، وأثبتت فحوصات الجمعية الملكية لاحقا ان تسمم منشية بني حسن ليس من الماء، أما الكازينو فالقضية اليوم بيد البخيت وهو الوحيد القادر على مواجهة الناس وتحويلها للقضاء ليحاسب الذين مرروها وروجوا لها.

البخيت 2005 ليس هو 2011 إذ استمر في المشهد العام بعد الخروج الاول، لم يمارس زهد السياسيين، ولم يلذ بالصمت بعد خروجه، بل انخرط بالنقاشات العامة، وعلق على توتر الأوضاع، ولم يعجبه تصوير حركات احتجاج الأردنيين السياسية السلمية بأنها انقلاب على فكرة الولاء للدولة بقدر ما تعبر عن عطش للإصلاح الحقيقي ورغبة جامحة في رؤية فاسد واحد يحاسب وتصادر أمواله لأنه أكل قوت الأردنيين، فكل هيئات فسادنا المتعددة فشلت في ذلك.

قدم البخيت في واحد من أهم المنابر العلمية والثقافية الوطنية وهو الجامعة الاردنية بتاريخ 14/12/2010 مبادرته الإصلاحية التي اقترح في نهايتها الوصول إلى مبدأ تداولي سلمي بين الأحزاب في تشكيل الحكومات، ونوه يومها إلى أهمية تأسيس علاقة راسخة متزامنة بين خطط التنمية السياسية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وشدد على تأثير عامل التسوية والوضع الفلسطيني وسيناريوهاته المحتملة على مسار أي عملية إصلاح سياسي أردني. آنذاك طلب الرئيس النقاش حول أفكاره التي قال عنها إنها مجرد رأي، وقد لقيت المبادرة اهتماما بالغا.

الذي يلزم البخيت اليوم ليس رجالا كبارا فقط، فهناك شباب بعقلية كهول وهناك كبار بعقلية فتية، بل اللازم عقليات ذات مسار وطني ديمقراطي، مؤمنة بالإصلاح وبعيدة عن أفكار الشركات الكبرى، والمطلوب عدم الاختبار في مشاعر الأردنيين. وتقدير القوى الوطنية في الشارع وأهمها الشباب الذين تعثرت كل المؤسسات العاملة لأجلهم والتي غدت ديكورا ممجوجاً.

صحيح أن البخيت قادر على التفكير الاستراتيجي الممتاز، لكن هل سيتمكن من تشغيل قطار الإصلاح؟ الجواب مرتهن بنوعية الوقود الذي سيسير عليه قطاره، واتمنى أن لا يكون بالفحم، والمقصود هنا الفريق السياسي الذي سيحيط به وبحكومته التي ستكون محطة حاسمة في مفترق الإصلاح والديمقراطية.

الغد