مع مخرجات لجنة التعديلات الدستورية

مع مخرجات لجنة التعديلات الدستورية
الرابط المختصر

ورشة الحوار الوطني العام التي يقودها رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، القانوني المخضرم النائب عبدالكريم الدغمي، فرصة للعصف الذهني الراقي الذي يعمل على بناء مدماك حقيقي في خطوات الإصلاح السياسي الشامل، من خلال البناء على التعديلات الدستورية التي مهما اختلفت الآراء حولها، فقد أجمعت أكثر القوى والشخصيات الإصلاحية القانونية والدستورية على أنها تعديلات "تشكل نقلة نوعية في تاريخ الحياة السياسية الأردنية".

ما يجري في اللجنة القانونية بمجلس النواب شكل متقدم من لقاءات حوارية شاملة للقوى السياسية والاجتماعية والشخصيات. وهذا ما طالبت به قوى إصلاحية غير إقصائية، من أجل تناول التعديلات الدستورية قبل عرضها على مجلس الأمّة، وذلك نظراً للقيمة الوطنية العالية التي يمكن أن ينتجها هذا الأسلوب في التعامل مع القضايا الكبرى مثل الدستور الأردني والقواعد الرئيسية للتشريع. بوضوح قال الدغمي إن مجلس النواب مقيد بما يرد إليه من تعديلات على مواد الدستور، وفقا لقرار المجلس العالي، لكن هذا لا يعني أن اللجنة لا تملك الصلاحية بإجراء التحسينات التي تراها مناسبة على تلك التعديلات. وأضيف على قوله أنه إذا كانت ظروف الدورة الاستثنائية لا تسمح لمجلس النواب بالتوسع في إجراء التحسينات، فما الضير في نقل كل هذا الملف الوطني الكبير إلى الدورة العادية المقبلة؟

لنعترف بشفافية أن التعديلات المقترحة غابت عنها نصوص رئيسية تتعلق بتنظيم الحياة الاقتصادية على أسس تأخذ بالاعتبار المآزق الكبيرة التي سببتها سياسة اقتصاد السوق وتخلّي الدولة عن وظائفها الرئيسية في توفير الخدمات الأساسية للشعب الأردني في إطار القطاع العام؛ إذ لا يكفي النصّ الوارد في المادة السادسة، بأنه "تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها"، إذ يجب أن تتم حماية هذه الحقوق للمواطنين بنصوص تكفل حماية القطاع العام وتوسيعه، بدلاً من بيعه للقطاع الخاص. كما أن المادة السادسة لم تجر عليها أيضاً تعديلات ضرورية لصالح قيم العدالة والمساواة في زمن يسعى فيه الأردن نحو برنامج إصلاحي شامل، يقوّم فيه ظواهر التمييز والعنصرية الخفيّة في الثقافة السائدة ضد المرأة تحديداً. إذ يجب أن تتوفر التعديلات على نص واضح وصريح حول مساواة المرأة والرجل في حقوق المواطنة، بدون النظر إلى التخوفات غير المنطقية وغير الواقعية في موضوع التجنيس، فذلك له شروطه وضوابطه. وهذا التعديل الضروري ستبنى عليه تعديلات ضرورية جداً في التشريعات الأخرى المنظمة للعمل وللضمان الاجتماعي والتقاعد، حيث هناك تمييز واضح ضد المرأة في هذه القوانين وغيرها. علينا ألا نرهن هذه الإضافات الضرورية على التعديلات بظروف سياسية طارئة فرضها الاحتلال الصهيوني على الشعبين الفلسطيني والأردني، إذ يبقى حق العودة مصاناً في سياساتنا وبرامجنا وأهدافنا، ولا يجوز حرمان المجتمع الأردني من النصّ والتأكيد على هذه القيم العادلة لأسباب سياسية يمكن معالجتها في ميادين أخرى.

علينا فعلا أن ننظر بروح إيجابية إلى ما تضمنته التعديلات الدستورية في تفعيل الحياة السياسية في البلاد، وأنها تؤسس لإصلاح حقيقي، بدون الشطارة السياسية التي زعمت  أنها "لا تلبي مطالب الحراك الشعبي"، لأن الواقعية تقتضي الإشارة إلى الإيجابيات والبناء عليها، وكشف السلبيات من أجل معالجتها.

إن عماد الإصلاح السياسي في البلاد، إضافة إلى التعديلات الدستورية، هو قانون الانتخاب، والأهم أيضا تطبيقات هذا القانون على الأرض، ومن خلال اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، وسحب كل ما يتعلق بالانتخابات من مجلس النواب ووضعه تحت يد القضاء، إضافة إلى المحكمة الدستورية، وبذلك تصبح العملية الانتخابية آمنة، وبعد ذلك تتحقق الحياة البرلمانية التي ستعمّد أركان الإصلاح السياسي الشامل، للوصول إلى الحكومة البرلمانية، والحياة الحزبية المتطورة. بالمناسبة، الحركة الإسلامية قاطعت الحوار مع اللجنة القانونية، كما قاطعت في الفترة الأخيرة مفاصل أساسية في العمل السياسي، ووعدت بإرسال مذكرة إلى اللجنة القانونية، وحتى الآن لم تصل.

الغد