مع "الفيصلي"

الرابط المختصر

لم أكن يوما من مشجعي الرياضة، ولا المهتمين بها. فلم أحضر مباراة في تاريخ حياتي للفيصلي والوحدات. ولم أحضر مباراة لبرشلونة مع أني كنت أقيم في فندق الأميرة صوفيا الذي يفصله شارع عن ستاد برشلونة، على الرغم من مرافقتي في الطائرة لشباب قدموا من السعودية لحضور المباراة.

فرضت الرياضة نفسها على المشتغلين في الصحافة والسياسة غير مرة، ولم يكن آخرها ما حصل في مباراة الفيصلي والوحدات. فالرياضة غدت أداة تقسيم لا توحيد، وعامل تعصب لا تسامح ، والعنف لا السلم سمة لها. فـ"الفيصلي" ليس هوية للشرق أردنيين، بل هوية عربية مفتوحة ترمز إلى أكثر اللحظات العربية إشراقا.

و"الوحدات" ليس هوية فلسطينية، هو شاهد على جريمة الصهاينة بحق أبناء "جنوب سورية" الذين تجنسوا بالجنسية الفلسطينية عقب الانتداب وتحولت إلى الأردنية عقب حرب 48. وبهذا المعنى نحن مع " الفيصلي" باعتباره عهدا جسّد وحدة بلاد الشام. ومع الوحدات شاهدا على جريمة الصهاينة بحق أبناء جنوب سورية.

يقول شيخ المناضلين بهجت أبو غربية إن المعلمين في عهد دراسته كانوا يستنكرون على الطلاب استخدام تعبير " فلسطين" ويصرون على تعبير " جنوب سورية". ولم تكن سورية الموحدة مجرد حلم، بل واقعا تحقق، ولم يتفكك بفعل نوازع الانفصال بل بفعل الهزيمة العسكرية أمام الجنرال غورو. ونحن مع الملك فيصل ورفاقه لا مع غورو وعملائه.

في مطعم نارنج الذي أقيم قبل سنوات قرب الباب الشرقي لدمشق القديمة، علقت صور قديمة، منها صور بطل معركة ميسلون وزير حربية الملك فيصل يوسف العظمة، وصور أعضاء المؤتمر السوري الأول، ومنهم الأعضاء الأردنيون الذين مثلوا مناطق المملكة من شمالها إلى جنوبها. وكان الأردنيون جزءا من معركة ميسلون كما كانوا جزءا من مؤتمر سورية.

والأردن، كما تعلمنا في المدارس، كان وليد محاولة الملك عبدالله المؤسس الأخذ بثأر أخيه. ولم تكن البلاد الصغيرة الفقيرة بنظره، غير محطة في سبيل تحرير بلاد العرب وتوحيدها. وكان يرى سورية الطبيعية لبنتها الأولى. هذه بلادنا في جغرافيتها وتاريخها. والأردني والفلسطيني واللبناني والسوري توحدوا يوما في العهد الفيصلي. وأقاموا لشهور نظاما مدنيا ديمقراطيا.

في العهد الفيصلي، كان الضباط يمتلكون ثقافة مدنية عثمانية تعلي من شأن القانون ولا تتسامح مع أي خرق له. وعند دخول دمشق قتلوا، بحسب مذكرات ضياء العمري، 47 من الأعراب الذين حاولوا سلب دمشق.

لم يكن الصهاينة لينجحوا في مشروعهم ويشردوا أبناء سورية الجنوبية من بيوتهم وبلادهم ويسكنوهم الخيام و" الوحدات" لولا تجزئة سورية واحتلالها. فالقضاء على " الفيصلي" هو الذي أوجد "الوحدات" . نحن بأمس الحاجة إلى "الفيصلي" عهدا يرمز للوحدة والتحرر والمدنية والتقدم، حتى نحقق العودة، ومن دون الأحلام الكبيرة تصغر المجتمعات وتنقسم على ذاتها.

الغد

أضف تعليقك