مصر: الثورة الشبكية

مصر: الثورة الشبكية
الرابط المختصر

الحدث المصري سوف يظل محطة كبيرة في التاريخ الاجتماعي والسياسي، ربما لقرون طويلة. فهو ليس مجرد ثورة أو انتفاضة أو تغيير حاكم، ولكنه تعبير عن التحولات الكبرى والهائلة في الأفكار والقوى والموارد المنظمة لحياة الناس وللسياسة والاقتصاد، وبداية لفقه "غلبة" جديد.

فلو نظرنا في التاريخ السياسي وانتقال السلطة والتأثير، سنجده تقوده فئة من الناس، من الأرستقراطيين والقبائل والأحزاب والقادة العسكريين، وهو ما أنشأ "فقه الغلبة" الذي عبر عنه ابن خلدون. ولكنها المرة الأولى التي يتحرك فيها الناس جميعهم، لا تنتظمهم أحزاب سياسية أو مؤسسات هرمية وقيادية، ولكنه تغيير مستمد من حراك الطبقات والمصالح والمجتمعات بشبكيتها. الثورة المصرية تعبير واضح عن التحولات الكبرى والجذرية.. من الهرمية إلى الشبكية، أو من الأرستقراطية والنخب إلى الطبقة الوسطى، ومن الحتمية إلى الاختيار، ومن التلقي إلى المشاركة، ومن التمييز إلى المساواة، مساواة تقترب من المطلقة، ومن اليقين إلى الشك، ومن الأنظمة المدرسية إلى التجربة، ومن الدول والمجتمعات تتحول إلى شبكة ليس لها مركز، أو لها مراكز كثيرة متعددة، وربما لانهائية. فكل عضو في الشبكة قادر على التأثير والمشاركة والوصول (Access) على قدم المساواة مع الآخرين مهما كانت ثرواتهم ومواقعهم.

هذا ما كان يجب إدراكه عندما بدأ الراعي في الصحراء يشارك عبر الإنترنت والأقمار الصناعية مع العالم على قدر من الوصول لم يكن متاحا سوى لحفنة قليلة جدا من الناس "الواصلين"، ولكن الناس اليوم كلها "واصلة". ويتذكر جيلنا عندما كانت متابعة محطة "سي. إن. إن" ميزة هائلة لا تحظى بها إلا نخبة النخب. وهكذا، فإن المعلومة التي كانت محفوظة/ محتكرة في خزائن النخب ولا يمكن الوصول إليها إلا بإذن الحراس الأشداء، أصبحت متاحة، وبإتاحتها فإن القوة أصبحت مشتركة، لأن المعلومة هي القوة، فالمعلومة تشكل المعرفة والموقف، أنت تقف حيث تعرف!

الثورة الفرنسية (1789) كانت تعبيرا عن أثر الصناعة والآلة، كانت ثورة المحرك البخاري، أنشأت المدن والأحزاب والطبقات الوسطى، والرواية والموسيقى والفنون، ولكن الثورة المصرية تعبير عن "الشبكية"، تعبير عن المجتمعات والموارد والثقافة التي تتشكل حول الشبكة. سوف تنشئ المجتمعات التي تعلم نفسها بنفسها، والإنسان الذي يعمل بنفسه ولنفسه، والفرد الذي يرتقي بنفسه إلى آفاق جديدة ومجهولة، الإنسان الجديد "السوبر" الذي يحسب نفسه قادرا على كل شيء.

المجتمعات والدول المقبلة يقودها وينشئها الإبداع والخيال

الغد

أضف تعليقك