مسيرة أردنية حضارية

مسيرة أردنية حضارية

لا يعنيني كثيرا، شأن الآلاف من المواطنين، عدد من شارك بمسيرة الأمس، سواء كانوا ألفا أو خمسين ألفا، المهم أن المسيرة كانت منظمة ومرتبة وسلمية، ولم تشهد تجاوزات خطيرة، تخرجها عن سلميتها ومهمتها في كونها منصة لإبداء الرأي، والفضل يعود بعد الله عز وجل وتوفيقه لحرص جميع الأطراف على أن تنقل صورة حضارية لهذا الشعب.

كثيرون تمنوا أن لا يصل عدد من يشارك بالمسيرة إلى أعداد محدودة، لكن ما جرى أثبت قدرة جماعة الإخوان المسلمين على حشد «كثير» من الناس والتأثير في الشارع، وهذا ليس بجديد، فثمة يقين لدى الجميع أنه التنظيم المعارض القادر على حشد الشارع، والتأثير فيه، وإقناعه بالمشاركة، ولا يعني كلامنا هنا أن كل من شارك مؤيد للإخوان وبرنامجهم، ولكن حملة التجييش ضدهم دفعت أعدادا كبيرة من المحايدين إلى الالتحاق بمسيرتهم، ربما عنادا بمن «شيطن» المسيرة، وأخرجها من سياقها الوطني، مسألة أخرى ساهمت بشكل حاسم في تأمين مرور الأمس على خير، التنظيم الأمني الراقي، وتأجيل أو إلغاء المسيرة المضادة، وهو ما بعث كثيرا من الارتياح في جميع الأوساط، وهو موقف وطني يحسب للطرف الذي كان ينوي الحشد المضاد..

بمنتهى الصراحة، بدا الإخوان اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما كانوا على الدوام، قوة لا يُستهان بها، ولا نفهم كيف يتم تجاهل آرائهم بشأن برنامج الإصلاح، وصم الآذان عن نصائحهم، سواء أحبتهم الحكومات أو لم تحبهم، فهم موجودون ولا بد من سماع رأيهم، والتوصل معهم إلى حلول معقولة، كي ينضموا إلى المشاركين في صناعة التغيير من تحت مظلة النظام، بدلا من البقاء في الشارع، مع ما يرافق هذا الموقف من تأزيم لا يمكن التكهن بالمدى الذي يصله!.

أنا أعلم علم اليقين إن الإخوان كانوا سيشاركون في الانتخابات لو تم تعديل قانون الانتخاب، وكانوا سيكتفون بهذه الاستجابة اليتيمة لمطالبهم الكثيرة، ولكن يبدو أن هناك من يريد إقصاءهم، ودفعهم للخروج عن اعتدالهم!

الإخوان لا يريدون الاستحواذ لا على البرلمان ولا على المشهد السياسي في البلد، فهم لا يستطيعون تحمل عبئا ليسوا جاهزين له، وربما لا يخططون لحمله أصله، فهم يدركون الحساسيات الجيوسياسية التي تحيط بنا، ولذا فهم يطمحون لإصلاحات جادة، شأنهم شأن الملايين من أبناء الأردن سعيا لحياة فضلى، تتسق مع ما يستحقه الأردنيون كشعب متحضر وناضج ومتعلم بما يكفي كي يعيش بكرامة، ويكون لرأيه واختياراته دورا في صناعة حاضر ومستقبل البلد!.

الدستور

أضف تعليقك