مرة أخرى الموازنة بقانون مؤقت !!!
في غمرة انشغال الأوساط السياسية والشعبية بمتابعة مجريات الانتخابات النيابية الأخيرة وما رافقها من أحداث دراماتيكية فريدة من نوعها تتمثل في توقيف عدد من المرشحين عشية الاقتراع بتهمة شراء الأصوات، قامت الحكومة بإصدار قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2013 وقانون موازنات الوحدات الحكومية للسنة المالية 2013 كقانونين مؤقتين ليرتفع بذلك عدد القوانين المؤقتة التي أصدرتها حكومة النسور إلى ثلاثة. وقد وجدت الحكومة ضالتها الدستورية في إصدار القانونين الآخيرين في القرار التفسيري الذي صدر عن المحكمة الدستورية والتي صوت أعضاؤها بالأغلبية لصالح دستورية إصدار الموازنة العامة للسنة المالية 2013 بقانون مؤقت معتبرين أن النفقات الرأسمالية التنموية المستحدثة هي نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل وفقا لأحكام المادة (94/1/ج) من الدستور.
ومع تأكيدنا على احترام قرار المحكمة الدستورية، إلا أنه لا يكفي بحد ذاته لإضفاء صفة المشروعية الدستورية على إصدار قانون الموازنة العامة بقانون مؤقت، ذلك أن حالة الضرورة التي أشارت إليها المحكمة الدستورية يجب أن تقرأ ضمن سياق الظروف الدستورية الأخرى الخاصة بإصدار القوانين المؤقتة. فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بالمصادقة على القانون المؤقت للموازنة العامة لعام 2013 قبل أربعة أيام فقط من إجراء الانتخابات وعودة مجلس النواب الذي فرض الدستور دعوته للانعقاد قبل الرابع من شهر شباط الماضي. ولا يرد ما تمسكت به الحكومة من أنه من غير المتوقع أن يتم إقرار مشروع قانون الموازنة العامة قبل شهر نيسان أو حزيران من العام الحالي، ذلك أنه كان بالإمكان إعطاء مشروع قانون الموازنة صفة الاستعجال وأن يتم إقراره خلال فترة زمنية قصيرة أسوة بقوانين أخرى مرت بمراحل التشريع الدستورية خلال أيام معدودة كقانون المالكين والمستأجرين الأخير الذي أقر خلال فترة قياسية نظرا للحاجة القانونية لإصداره لحماية عقود الإيجار المبرمة.
فإذا كنا نتفق مع المحكمة الدستورية حول ضرورة البدء في صرف النفقات الرأسمالية التنموية، إلا أن إصدار قانون الموازنة العامة كقانون مؤقت عشية إجراء الانتخابات وعودة السلطة التشريعية إلى الانعقاد يقضي كليا على حالة الضرورة، وتكون الغاية من إصداره كقانون مؤقت قد انتفت رغم أهمية النفقات الرأسمالية.
إن رقابة مجلس الأمة على القوانين المؤقتة يجب أن لا تنسحب فقط على توافر حالة الضرورة من عدمها، بل يجب أن تمتد لتشمل رقابة آلية التعاطي مع حالة الضرورة وما إذا كان بالإمكان الانتظار إلى حين انعقاد مجلس النواب وعودة الولاية العامة للسلطة التشريعية لإصدار التشريع بقانون عادي بدلا من إصداره قانون مؤقت، فإذا تبين لمجلس الأمة أن القانون المؤقت قد صدر قبل أيام معدودة من بدء الدورة البرلمانية أو بعد أيام معدودة من انتهائها وفضها، فإنه يجب أن يتم رفضه لكون الحكومة قد تعمدت تغييب مجلس النواب والتعدي على صلاحياته التشريعية الأصيلة.
وقد سبق لمجلس الأمة الأردني أن فرض رقابته على موعد إصدار القوانين المؤقتة باعتباره مظهرا من مظاهر توافر حالة الضرورة من عدمها وذلك عام 2006 عندما رفض عدد من القوانين المؤقتة التي صدرت في عهد حكومة الدكتور عدنان بدران بحجة صدورها قبل أيام معدودة من بدء الدورة البرلمانية. فقد رفض مجلس الأمة قانونين مؤقتين هما قانون معدل لقانون الزراعة رقم (22) لسنة 2005 وقانون معدل لقانون ضريبة الدخل رقم (24) لسنة 2005 كونهما قد صدرا قبل عدة أيام من انعقاد الدورة العادية الثالثة لمجلس النواب الرابع عشر والتي انعقدت بتاريخ 1 /12/ 2005، مما ينفي عن إصدارهما صفة الضرورة.
ومن ناحية أخرى، فقد توسعت الحكومة في تطبيق قرار المحكمة الدستورية وبشكل مخالف لأحكام الدستور لخدمة مصالحها الخاصة، فقد أفتت المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري الأخير بجواز إصدار قانون الموازنة العامة لعام 2012 كقانون مؤقت فقط، إلا أن الحكومة قد استغلت ذلك القرار لغايات إصدار قانون موازنات الوحدات الحكومية للسنة المالية 2013 كقانون مؤقت دون أي سند دستوري لذلك. فالسؤال الذي توجهت به الحكومة للمحكمة الدستورية قد اقتصر فقط على الإفتاء حول دستورية أن يصدر مجلس الوزراء قانونا مؤقتا للموازنة العامة لعام 2013، ولم يتضمن سؤال الحكومة الاستفسار عن دستورية إصدار قانون موازنات الوحدات الحكومية بقانون مؤقت.
إن المادة (112) من الدستور تنص على تقديم مشروع قانون الموازنة العانة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل، وهذا النص يعني أن الدستور قد اعترف أن كلا القانونين مستقل أحدهما عن الآخر، وأن قرار المحكمة الدستورية بجواز إصدار قانون الموازنة العامة بقانون مؤقت لا ينسحب بالضرورة على قانون موازنات الوحدات الحكومية.
ويبقى التساؤل الأكبر حول الرقابة الدستورية التي يمكن أن يمارسها مجلس الأمة على مثل هذه القوانين المؤقتة عندما تعرض عليه، فالمادة (94) من الدستور قد منحت مجلس الأمة صلاحية إقرار أو رفض أو تعديل القانون المؤقت، إلا أنه وبالنظر إلى طبيعة تلك القوانين المؤقتة التي صدرت مؤخرا وما يترتب عليها من نفقات وإيرادات خاصة بالحكومة والمؤسسات الحكومية، فإنه من المتعذر دستوريا أن يقوم مجلس الأمة بتعديل أو رفض مثل هذه القوانين المؤقتة، بل سيقتصر دوره على إقرارها وذلك تحسبا للآثار الاقتصادية والمالية السلبية التي ستنجم عن رفض أو تعديل هذه القوانين، فتكون بذلك الحكومة قد استمرت في هيمنتها على السلطة التشريعية وفرضت قيودا على حق مجلس الأمة في الرقابة البرلمانية على أحكام القوانين المؤقتة التي قررتها المادة (94) من الدستور.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
العرب اليوم