مراجعة واقع الأحزاب
إذا أردنا أن تكون مخرجات عملية الإصلاح حقيقية وقادرة على تغيير بنية العمل السياسي والنيابي، وتصل بنا إلى تشكيل حكومات الأغلبية البرلمانية، فإن علينا أن نتذكر أن واقع العمل الحزبي اليوم لا يحقق هذا، لأننا لو غيرنا قانون الأحزاب ومعه قانون الانتخاب وفق أحدث وصفة إصلاحية من دون أن نمتلك حياة حزبية قوية وحقيقية، فإن الوصول إلى الشكل الذي نريد لحياة نيابية قوية وحكومات الأغلبية البرلمانية سيكون أمرا غير ممكن.
الحياة الحزبية الحقيقية والقوية هي جزء رئيس من البنية التحتية لحياة برلمانية قائمة على العمل السياسي. وإذا غابت هذه البنية التحتية، فإن نتائج تطبيق أي تشريعات ديمقراطية إصلاحية سيبقى محدودا وربما جزئيا في بعض الأجزاء التي لا تعاني من الضعف.
خلال ثلاثة أشهر في الحد الأقصى، ستنهي لجنة الحوار -إن شاء الله– عملها، وستقدم مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب، وبعدها ستبدأ الخطوات الدستورية لإقرار القانونين. وربما لن يمضي وقت طويل بعد ذلك قبل أن يبدأ تطبيقهما عمليا من خلال عملية سياسية؛ أي إن الوقت المتاح ليس طويلا، وتحتاج الأحزاب إلى كل دقيقة لإصلاح واقعها والتخلص من عوامل الضعف التي جعلت من الحياة الحزبية شبه شكلية.
لن نعود إلى تحليل أسباب الضعف ولماذا حياتنا الحزبية على هذا الواقع، فالعديد من الندوات والحوارات والكتابات خلال سنوات مضت ناقشت الأمر. وهنالك أسباب عديدة لهذا الواقع تعود إلى عشرات السنين، وإلى تشريعات وإلى ثقافة وتجربة لدى الناس. لكن ما دمنا قد فتحنا بابا لإصلاح التشريعات الأساسية، وأهمها قانون الانتخاب الذي يمثل مفتاح الإصلاح، فإن توفير بنية تحتية قوية ومناسبة في الحياة الحزبية والسياسية ضرورة لا غنى عنها لقطف ثمار إصلاح التشريعات السياسية.
الإصلاح الداخلي وإعادة تقييم واقع الأحزاب كل على حدة، أو من خلال عمل جماعي للأحزاب المتقاربة والتي تجمعها أطر تنسيقية معينة، أمر ضروري. ويمكن لكل حزب أن يغلق أبوابه عليه وأن يتحدث بصراحة عن عدد أعضائه وقدراته السياسية وانتشاره بين الأردنيين، ويمكن لكل حزب أن يستعين بمحاولاته السابقة في المشاركة في الانتخابات المختلفة ليرى مدى قدرته على الفوز والمنافسة، وحتى لو كان قد حصل على مقعد أو اكثر فكيف حصل عليها، وهل كانت قوة الحزب أم قوة الشخص وامتداده الاجتماعي والعشائري؟
يمكن لمن شاء أن يغمض عينيه عن أي عملية مراجعة، لكن علينا أن ننتظر ثمارا متواضعة لأي تشريعات قادمة مهما كانت تعطي فرصا للأحزاب، لأن ضعف أي حزب يفقده القدرة على استثمار أي تشريع عظيم. ومهما أغمض البعض عينيه، فإننا جميعا نعلم قوة كل حزب وحضوره السياسي والشعبي وقدراته، فنحن خلال ثلات سنوات شهدنا موسمين انتخابيين للبرلمان، وهنالك قدرة من خلالهما على القراءة، والأهم هو واقع كل حزب خلال مسيرته، فليس في بلادنا كثير من المعلومات المخفية، وحتى الأحزاب التي تتقن رفع صوتها واستثمار الإعلام، فإن الاختبار الحقيقي لها هو في مواسم الانتخابات.
المراجعة والتقييم جزء أصيل من الإصلاح، وآلية لاستثمار تطوير التشريعات القادمة، وخطوة لبناء حياة سياسية قوية وبرلمان مسيس قوي.
الغد