مراجعة حكومية لاتفاقيات الخصخصة
الشعب الأردني يشد على أيدي الحكومة في عملية المراجعة لكل اتفاقيات الخصخصة, وبيع الشركات الكبرى التي كانت ناجحة ورابحة وتمد الخزينة, وبيع الأصول والأراضي, لأنّ هناك شبهات بنهب المال العام, مثل البوتاس والفوسفات والإسمنت وقطاع الاتصالات.
سوف يسجل رئيس الحكومة صفحة جديدة تحمل إشراقة مبشرة للشعب الأردني المحبط , فيما لو استطاع فعلاً وضع اليد على هذه الاتفاقيات التي تمّت تحت جنح الظلام, وفي خلسة من الشعب الأردني, عندما تمّ بيعها (بتراب المصاري), بحيث يقول بعض الخبراء المختصين في هذا المجال أنّ أرباح بعض هذه الشركات في السنة الواحدة يوازي ثمن كامل الشركة التي بيع بها.
ولذلك ليست المسألة مناقشة عقيمة في منهج الخصخصة نفسه من حيث أنّه طريقة اقتصادية يؤمن بها بعضهم, ويخالفها بعضهم, وإنّما ما يجب أن نتفق عليه أنّه تمّ البيع في ظروف غامضة, غير طبيعية, وغير شفافة, غارقة بالشبهات التي تحيط بها من كل جانب, وجانب الإجحاف الذي لحق بالمال العام وخزينة الدولة كبير, وفاقع اللون, تفوح منه رائحة السمسرة والمحسوبية والشللية والرشوة على حساب الملكية العامة للشعب.
ولذلك يجب فتح كل ملفات الخصخصة, ومراجعة كلّ الاتفاقيات التي تمّت, ويجب أن يتولى ذلك جهة مختصة ذات مصداقية عالية, وإعلان النتائج على الشعب الأردني, ويجب نبش كل ملفات المرحلة السابقة, والتاريخ ينبغي أن يقول كلمته, وكل من رضي بتحمّل المسؤولية, عليه أن يتحمّل آثارها.
هذا مدخل صحيح للمكاشفة العلنية للشعب الأردني الطيب, الذي سكت طويلاً على كثير من الأفعال والقرارات والسياسات والتعيينات المخالفة للقانون والدستور روحاً وشكلاً ومضموناً, وعلى هؤلاء الذين كانوا يظنّون أنفسهم في مأمن, عليهم أن ينتظروا لحظة الحساب مع جمهورهم وشعبهم.
وهناك سؤالٌ ملح, يأتي في الصباح والمساء ويحضر بقوة إلى أذهان الأردنيين, لماذا تكتب هذه الاتفاقيات باللغة الإنجليزية, وبالمناسبة اتفاقية الكازينو مكتوبة باللغة الإنجليزية أيضاً, هل المسألة متعلقة بتغييب عامة الشعب عمّا جرى وعمّا تمّ الاتفاق عليه, خاصة في ظلّ أنّ الطرفين عرب وأردنيون, أم أنّ المسألة متعلقة بذلك النفر الذي يتكلم اللغة الإنجليزية ويفكر باللغة الإنجليزية, ومعرفته باللغة العربية ضحلة, أو ربما هذه الاتفاقيات ومنهج الخصخصة بشكلٍ عام هي مسألة تخصّ النخبة فقط, وليس لعامة الشعب الأردني علاقة بهذا الموضوع فهو ليس من شأنهم, فهؤلاء الذين يجيدون (الرّطن) هم وحدهم أهل الفهم و(أبو العرّيف).
إنّ الشعب الأردني خائف ويضع يده على قلبه أنّ الخصخصة التي تمّت هي عبارة عن ستار لعملية فساد منظم, وسطو ممنهج على ممتلكات الشعب الأردني وعلى المال العام, وهو يعلم تماماً أنّ الضجة التي أثارتها مجموعة "الرطن" هي عبارة عن استغفال لهذا الشعب المنكوب وضحك على ذقون الطيبين.
والشيء الأكثر فزعاً أنّ عملية الخصخصة لم تسفر عن تخليص الأردنيين من الدين العام, ولم تنقص منه, بل على العكس, زاد حجم المديونية بطريقة مذهلة ومرعبة.
والشيء الآخر الذي يجب أن نتحدث به, أنّ عملية الخصخصة لم تجلب لنا أسواق العمل, ولم تقلص حجم البطالة, ولم تقلل من عدد جيوب الفقر, بل العكس تماماً, زاد عدد جيوب الفقر من (32) جيباً عام (2006) إلى (42) جيباً عام (2008) بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة للدولة.
والذي بقي أن نقوله في نهاية الأمر, أنّ من أهم فوائد ثورة الربيع العربي هو ذلك النسيم العليل من الوعي واليقظة الذي رافق الثورة فداعب عيون النائمين, ففاق أغلبها, وإن بقيت بعض العيون تغط في نومٍ عميق, فهذه لا تستيقظ إلا ّعلى آثار الإعصار المدمّر الذي يقضي على الأخضر واليابس.
العرب اليوم