مجزرة عجلون.. "بأيّ ذنبٍ قُتلنا"؟!

مجزرة عجلون.. "بأيّ ذنبٍ قُتلنا"؟!
الرابط المختصر

كم هو مشهد مروّع ومحزن يقدّمه شهود العيان لحادثة تدهور "حافلة عجلون"، وجثث الجرحى والمصابين متناثرة على الشارع، وفي حطام المركبات، فيما يصف بعضهم المركبات التي حطّمتها الشاحنات بـأنّها أقرب إلى "شفرات الحلاقة".

ثلاثة أفراد من عائلة الطباع (منذر، رشا، فاطمة) قضوا في هذا الحادث الأليم، فقط لأنّ مركبتهم كانت بقرب الشاحنة لحظة انقلابها، بالإضافة إلى آخرين، وجرحى من النساء والأطفال.

ثمة تفاصيل صغيرة ودقيقة نهملها ونتجاهلها في حياتنا اليومية، لكنّها تؤدي إلى مآسٍ وكوارث لعائلات وأفراد. كيف يتصور أحدنا أن يفقد ابنه الصغير في حادث دهس، نتيجة فقط استهتار من سائق كان يقود مسرعاً، وهو يتحدّث بالهاتف، من دون أن يبالي بأطفال صغار يركبون في باص المدرسة، وكيف يمكن أن تنعكس هذه الحادثة، لا قدر الله، على حياة الأسرة فيما بعد!

تلك الأسئلة حملتها إليّ قبل أيام قليلة رسالة من أحد قرّاء "الغد"، وهو ضيف شقيق من العراق، بعد أن حمى الله حفيده من حادثة دهس مشابهة، لم تكن أضرارها كبيرة على الطفل، لكنّها لم تمنع الرجل من مساءلة هذا الإهمال من قبل السائق واستخفافنا بقواعد السلامة والآمان.

يقول أبو نوار "قبل يومين رجع حفيدي من المدرسة (عمره سبع سنوات) وهو في حالة سيئة جدا. وعند السؤال لمعرفة السبب أجاب الطفل أنه عندما حاول الصعود إلى سيارة المدرسة من جهة الشارع مرت من جانبه سيارة خاصة كانت قريبة جدا من سيارة المدرسة وداست على قدمه".

يضيف أبو نوار"لولا ارادة الله لكان وقع الطفل تحت عجلات السيارة، وبحسب قول الطفل فإن سائق السيارة كان مشغولا يتكلم بالموبايل وتجاوزه حتى من دون ان ينتبه له. نعم، اهتمت إدارة المدرسة بذلك كثيرا، وقد أجروا له الإسعافات اللازمة، لكن ماذا لو أن الطفل وقع تحت عجلات السيارة الخاصة وحدث ما حدث لا سمح الله"!

ثم يتساءل الرجل "لتسمح لي ادارة المدرسة بأن أقول كيف يمكن ان تقف سياراتهم في الشارع العام والصعود اليها من جهة الشارع؟ انهم اطفال يتراكضون للصعود للباص بسرعة من أجل العودة الى أمهاتهم اللائي ينتظرنهم على أحر من الجمر".

أبو نوار، الذي أمضى أغلب حياته في أوروبا يقارن كغيره مع تلك الدول بالقول "المفروض أن يكون باب الباص من جهة الرصيف، كذلك المفروض والمطبق في كل دول العالم المتحضر ان يكون موقف الباص عند صعود الاطفال مثل الاشارة الحمراء تنتهي عندما تغادر السيارة".

الحادثة بذاتها مثالٌ بسيط معبّر عن مئات الحوادث التي ترتبط بسلوكنا اليومي وتفاصيل صغيرة نهملها، مثل مكان صعود الأطفال، موقف باص المدرسة، والاستهتار بقيادة السيارة، لكنّها تؤدي إلى تدمير حياة أسر كاملة وتعذبها سنوات طويلة.

مشكلتنا الثقافية لا تنتهي هنا، بل تمتد إلى تفاصيل كثيرة بقيمنا وسلوكنا في حياتنا اليومية، كالمشاجرات الجماعية التي تقع لأتفه الأسباب، جرّاء رعونة شخص أو أشخاص معينين، تؤدي إلى خسائر بشرية وويلات اجتماعية، وعائلات تشرّد وتتمزّق، بل وطفلة صغيرة تُقتل بلا أي ذنب، كما حدث في مشاجرة قبل أيام!

هؤلاء الضحايا لهم الحق أن يسألوا "بأي ذنب قُتلنا؟"، وعلينا أن نسأل أنفسنا ألا نحتاج لصحوة اجتماعية- إنسانية، تتجاوز قرارات الحكومة وقوانينها إلى المجتمع والجماعات وخطباء المساجد والخطاب الديني والعشائر وغيرها لنقلّل من حجم الكوارث التي نصنعها بأيدينا؟!

الغد