متى نخرج من هذا النفق؟
لا يوجد وصف أدق من كلمة "مسمومة" للأجواء السياسية الحالية في المملكة، وكأنّنا أمام محرقة تأكل كل ما يلقى فيها من اتهامات ودعاوى يختلط فيها الحابل بالنابل، وتغذّى بالتخبط والارتجالية في إدارة المرحلة الانتقالية، وحالة من الإحباط الشعبي.
ثلاث أزمات تعصر المشهد السياسي عصراً، وتخلق حالة من الفوضى والارتباك؛ سواء في تضارب رسائل مؤسسات الدولة تجاه سؤال الإصلاح والحريات السياسية، ما يجذّر الشكوك والاحتقانات، أو في صندوق الفساد الأسود، الذي يفتح الباب بدون قراءة معمقة على المرحلة الماضية، بكل ما فيها من حقول ألغام، أو حتى التعامل مع الأزمة المالية الحالية، وما قد تجره قريباً من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وكأنّها الشرارة التي تقترب من "برميل البارود".
الوضع مرعب، بلا مبالغة؛ وخطة الدولة في عبور المرحلة الانتقالية وفق أجندة الإصلاح السياسي -وصولاً إلى إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة، ثم حكومة تجسّر الفجوة مع الشارع- باتت مهددة اليوم بسوء الإدارة اليومية لمجمّع الأزمات!في الأيام القليلة الماضية، فقط، وجدنا أنفسنا أمام أسوأ إخراج لمسلسل الفوسفات، على حد تعبير الصديق والزميل فهد الخيطان، بالتزامن مع "اختلاق" أزمة مع الطفيلة، وإشعال الحراك وسقوفه مرّة أخرى.
كل هذا ونحن نرتبك في التعامل مع ملف تسعيرة الكهرباء وتحضير الرأي العام لتعويم أسعار المحروقات في الشهر القادم، وسط أمواج متلاطمة من الاعتصامات والإضرابات على خلفية قضايا اقتصادية ومجتمعية!ما نأمله أن تأخذ مراكز القرار المختلفة نفساً عميقاً، وتفكّر بهدوء أكبر وبروح نقدية وواقعية بالمشهد الراهن وأبعاده، وفي الإجابة على سؤال "ما الذي حدث خطأ!" خلال الفترة الأخيرة، ولماذا غرقنا في هذه المتاهات، ونكاد نفقد البوصلة! وكيف الخروج من هذا النفق المظلم، وتقصير المرحلة الانتقالية، لوضع البلاد على سكة الديمقراطية، والانتخابات؟كلما أطلنا هذه المرحلة غرقنا في مشكلات وأزمات أكبر، ونحن بحاجة إلى أن نخرج منها بأسرع وقت.
والمفتاح هو تحديد موعد الانتخابات القادمة وفق قانون انتخاب توافقي.
وما قدمه الرئيس عون الخصاونة جيّد، لكنه يفتقر إلى ما تطالب به القوى السياسية كافة، أي قائمة نسبية مغلقة على مستوى الوطن. وأشعر أنّ على الرئيس – كما وعد أكثر من مرّة- أن يتنازل عن قناعاته الشخصية لصالح رأي القوى المختلفة، لبناء حالة من التوافق.الملف الثاني الحيوي، وكأنه ما يزال يحتاج إلى إثبات كل مرّة للأسف الشديد، هو الحريات العامة وحق التعبير؛ فلم يعد اليوم ممكناً حماية الخطوط الحمراء ولا تكميم أفواه الناس، وهذا الصداع لا بد من التعايش معه وقبوله إلى حين بناء تقاليد سياسية وإعلامية تتناسب مع مرحلة الربيع الديمقراطي.
وكلما حاولنا العودة إلى وراء ضاعفنا الكلفة على النظام السياسي ومصداقيته!دعونا نعترف، مرّة أخرى، أنه لا يمكن ترجيع عقارب الساعة.
والرهان على تغييرات شكلية ومحدودة أو فشل الربيع العربي هو رهان كارثي، فالمزاج الشعبي اليوم مغاير تماماً لما كان سابقاً.. لنفكّر بمنطق جديد ومن خارج الصندوق.
الغد