ماذا عن مقترح الأحزاب؟
تركز جل اهتمام الرأي العام على نظام الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة الحوار الوطني، بالإضافة إلى الديباجة التي قيل إنها احتوت بعض الطروحات المتقدمة غير المتوقعة من لجنة اعتبرت في جلها محافظة سياسيا. وظهر للمراقب أن اللجنة الفرعية التي عهد إليها النظر في تقديم اقتراحات لتعديل قانون الأحزاب كانت تسير بروية، وأن الشأن الذي تنظر به لا يشكل خلافا سياسيا مفصليا.
لكن المتمعن يجد أن التوصيات المرتبطة بالإصلاح الحزبي توجهت "لتيسير" إنشاء الأحزاب لا "تصعيب" ذلك. ولذلك، فهي انحازت لفكرة أو توجه دفع باتجاهه من تضرر من فكرة "التصعيب"، وأدى في بعض الأحيان إلى إغلاق بعض الأحزاب.
اقتراح لجنة الحوار الوطني تخفيض عدد مؤسسي الأحزاب يعاكس توجه الإصلاح الحزبي على مدار السنوات الماضية، والذي عمد الى رفع عدد المؤسسين بهدف القضاء على ظاهرة "أحزاب الدكاكين" التي أثّرت سلبا على التنمية السياسية، وأضافت إلى منسوب الانطباع السلبي السائد عن الأحزاب لدى الرأي العام الوطني.
زيادة عدد أعضاء مؤسسي الحزب أدت، وكانت لتؤدي إلى تقليل عدد الأحزاب في الساحة الوطنية، وبالتالي تعظيم إمكانية تأثيرها السياسي، وربما زيادة فرص فوزها بالانتخابات، ما سينتج برلمانا بنكهة حزبية أوضح. فليس صحيحا أن "تصعيب" تأسيس الأحزاب هدف إلى ارتكاب مجزرة بحق أحزابنا، إنما الصحيح أن ذلك هدف إلى أن تكون أحزابنا أحزابا حقيقية قادرة على التأثير والقيام بدورها الوطني من تجميع لمطالب المجتمع المتناثرة وصقلها ضمن إطار سياسات تستطيع الجهات التنفيذية التعاطي معها.
لقد كنت، ومنذ التعديل على قانون الأحزاب في العام 2007، من الداعين إلى أن يكون عدد المؤسسين بالآلاف. وما أزال مؤمنا أن في هذا الدواء المرّ العلاج الشافي لترهل بنيتنا الحزبية، ولا أدري لماذا هذا التوجه لدى اللجنة، وأي قيمة إصلاحية مضافة لحراكنا تلك التي ستعيدنا للفوضى الحزبية التي كانت سائدة وتهيئ لعودة ظاهرة "أحزاب الدكاكين"؟
الحزب غير القادر على تجميع آلاف المؤسسين لا يستحق أن يكون، أما أن يسمح لمن يريد الحصول على لقب "أمين عام حزب"، وبعض الدعم المالي ربما، وأن يتمكن من ذلك، فأنا لا أرى ما فائدة ذلك الإصلاح. ليس دقيقا أيضا أن "تصعيب" تشكيل الأحزاب يمس بحقوق الأردنيين السياسية وحرياتهم المدنية ما دام ذلك يسري على جميع الأردنيين، والأدق القول إن زيادة عدد المؤسسين سيعطي مساحة سياسية وأفضلية لنمو الأحزاب الحقيقية التي يحتاجها مشهدنا الوطني.
كان لدينا 38 حزبا في ظل القانون السابق، والآن لدينا 18 حزبا في ضوء القانون الحالي، وإنقاص عدد مؤسسي الأحزاب سيعيد على الأرجح العدد إلى الثلاثينيات مرة أخرى. وإذا كان بعض الأردنيين احتاج شهرا في السابق لتأسيس حزب بعد أن يقوم بتجميع أصحابه وأقاربه، فهو الآن سيحتاج أسبوعا إذا ما كنا سنقلل عدد المؤسسين.
تصعيب تأسيس الأحزاب هو الأسلوب الأمثل لإصلاح بنيتنا الحزبية، بل ويجب أن يضاف إليه أن يكون المؤسسون من 6 محافظات على الأقل.. هذا إذا أردنا إصلاحا حزبيا وحياة حزبية برلمانية حقيقية ومستقرة.
الغد