مؤامرة ثقافية وتنموية

مؤامرة ثقافية وتنموية
الرابط المختصر

اتخذت الحكومة السابقة في آخر أيامها واحدا من أخطر القرارات وأكثرها سلبية على مستقبل التنمية والهوية الحضارية والتراث الوطني، بل يعد تمرير هذا القرار مؤامرة بامتياز على التراث الثقافي الوطني، لا ندري كيف حدث ذلك، ولا بأي منطق، ولا بأي عقل؟  أن يتم بجرة قلم تحويل صفة استخدام 14 موقعا من أهم مواقع التراث الثقافي الوطني من صفة آثار، أي تعطيل ولاية قانون الآثار عليها، إلى صفة سياحي، بمعنى البدء الفعلي في خصخصتها وفتحها لأهواء رجال الأعمال والشركات الاحتكارية.
قرار الحكومة السابقة الذي تتحمل مسؤوليته ذهنية رسمية مفلسة، جاءت بوزيرة سياحة، وجدت نفسها فجأة  في وزارة اقتصادية تفتقر للفرق الخبيرة والمتخصصة ولا تعمل شيئا أكثر من تلبية متطلبات مجموعات احتكارية لا يتجاوزعددها أصابع اليد الواحدة، ووكالات أجنبية تضع الخطط والاستراتيجيات عن بعد؛ ما جعل العام الماضي الذي كان من المفترض أن يشكل فرصة حقيقية لقطاع السياحة نقمة وكارثة على هذا القطاع. وإمعانا في الفوضى الرسمية لجأت إلى تعطيل قانون الآثار وتفريغ دائرة الاثار العامة من الكفاءات الوطنية والرضوخ لمزاج ومصالح مراكز قوى وجمعيات نافذة تصب في مصالح أفراد لا أكثر.
 شمل ذلك القرار طبقة فحل "بيلا" في إربد وعمرها نحو مليون و200 ألف سنة، وواحدة من المواقع الاثرية النادرة في العالم، أم الجمال في المفرق مدينة القوافل والمحطة التجارية لدولة الانباط، قلعة عجلون الشاهدة على استراتيجيات التحرير والمناورة على مدى ثلاثة قرون من الصراع بين الشرق والغرب، مدينة جرش الأثرية كاملة، قصير عمرة وقصر الحرانة في الزرقاء وهي من القصور والاثار المعمارية النادرة التي تركتها الدولة الاموية، الى جانب قلعة الأزرق، وقصر الحلابات، وجبل القلعة في عمان، المدرج الروماني، سبيل الحوريات، عراق الأمير، مكاور واللاهون في مادبا، وقلعة الكرك، وقلعة الشوبك، وقلعة العقبة. ماذا يعني تحويل صفة تلك المواقع الاثرية والتاريخية المهمة من أثري الى سياحي؟  إنه يعني بكل بساطة تعطيل عملي وفعلي لولاية قانون الاثار العامة، والسماح للقطاع السياحي بإدارة هذه المواقع ( تضمينها)، وربما بعقود طويلة الأجل، تتيح في نهاية المطاف للقطاع الخاص، الذي لا يهمه إلا الربح وحسابات المكاسب في نهاية اليوم، التصرف كما يشاء. يتم ذلك مع غياب دور دائرة الآثار العامة وورفع يد قانون الآثار عنها. هذا لا يحدث ولم يحدث في اي بلد في العالم تملك هذا الثراء التاريخي وتملك مواقع بأهمية هذه المواقع، يمكن ان يستثمر القطاع الخاص في محيط المواقع الاثرية او حتى فيها، ولكن ضمن شروط حازمة ومانعة تحميها القوانين، ما يحافظ على استدامة تلك المواقع ويحمي صفتها الاثرية، لكن الاستهتار بالتراث الوطني وبكرامة الناس دفع الى هذه الخطوة التي تعني تجريد التوظيف التنموي للمواقع التاريخية من أي ضبط قانوني يحمي استدامة هذه الموارد، أي بيع الجمل بما حمل.
  هذه الخطوة تعد مؤامرة ثقافية تضرب المكون التراثي الوطني والانساني في هذا الجزء من العالم  في العمق، ومؤامرة تنموية قاسية تمنح موارد أنجزتها أجيال وحضارات هبة لجهات بعينها، وتحرم الأجيال القادمة منها. المطلوب من الحكومة القادمة وقف هذا القرار فورا، واستعادة ولاية دائرة الآثار العامة. ولعل هذه الخطوة المنتظرة أول اختبار لنوايا الحكومة المقبلة ومدى التزامها ببرنامج وطني للإصلاح.

أضف تعليقك