مأزق القوائم
مأزق دخل فيه جميع الذين يتجهون لتشكيل قوائم. ومن جهتي، حالما أقر قانون "القوائم المغلقة"، قلت: على فكرة التمثيل النسبي السلام؛ فهي بدل أن تكون عامل توحيد وتأطير وتسييس وتطوير للمشاركة السياسية، ستكون عامل تفتيت وتشتيت.
طبعا كنت أعرف ذلك دائما، وليس الآن ونحن نشهد المأزق الفظيع لتشكيل القوائم.
وأول مقترحات طرحتها في أواسط التسعينيات (أقصد إدخال النسبية على النظام الانتخابي)، لم أقدمها مطلقا إلا على أساس القوائم المفتوحة، لأن "المغلقة" تنجح فقط إذا كانت الساحة السياسية قد تشكلت واستقرت على بضعة أحزاب سياسية رئيسة، قادرة على فرض قوائمها وإلزام كوادرها وأعضائها وجمهورها بها.
وفي كتابي الذي أصدرته قبل عامين ونصف العام، لم أقدم أي بديل يقول بالقوائم المغلقة، بل بدائل تقوم كليا أو جزئيا على القوائم المفتوحة.
وفي لجنة الحوار الوطني التي تعاونت معها كمستشار، لم أدفع إلا للقوائم المفتوحة، وبالفعل تبلورت القناعة عند أعضاء اللجنة بذلك.
وللتذكير، ففي القوائم المفتوحة يختار الناخب قائمة واحدة فقط كما يفعل في نظام القوائم المغلقة، لكنه يختار أيضاً مرشحه المفضل داخل القائمة، وبذلك نعفي أعضاء القائمة من الاتفاق المسبق على أولوية المرشحين فيها، ونعطي للجمهور أن يقرر ذلك، وتذهب للقائمة مقاعد بنسبة أصواتها موزعة على أصحاب أعلى التفضيلات فيها.
وهذا ما فهمه أعضاء لجنة الحوار الوطني من كافة الأطياف، وانحازوا له لجعل فكرة قوائم التمثيل النسبي ناجحة.
لماذا إذن أصرت الجهات التي صاغت قانون الانتخاب على القوائم المغلقة؟ ولماذا أملت على قاعدتها النيابية أن تتمترس عند هذا الأمر، رغم جهودنا المضنية لإيضاح خطل الفكرة؟!
إنها النوايا السلبية الحقيقية تجاه فكرة التمثيل النسبي ذاتها. فقد قدمت بالطريقة الأسوأ التي تفضلها و"تبهدلها". وقد يكون هناك أيضاً تلك المخاوف الساذجة التي، عن قناعة أو تضليل، تم تسويقها على البعض بأن القوائم المفتوحة تحتمل تركيز الأصوات على أشخاص من الإسلاميين مثلا، يحصلون على مئات آلاف الأصوات، فيظهرون بشعبية تبز كل من سواهم.
لكن حين كان مجلس النواب يتجه لإقرار القانون، كان الإسلاميون يتجهون للمقاطعة. وفي كل الأحوال، فالفكرة مبنية على خيال وتخوفات غير صحيحة، ولم يجاهر أحد بها لندحضها في حينه.
الآن، كل الجهات والأفراد المعنيين بالقوائم في مأزق، ويشعرون بالحرج والضيق، ولا يجدون سبيلا لتجاوز مشكلة ترتيب الأفراد في القائمة.
وبعض الأحزاب الوسطية الرئيسة قد يجد سهلا ترتيب الاسم الأول والثاني والثالث، ثم يقع في أزمة عويصة حول اختيار الرابع والخامس والسادس وهكذا.
وقد لجأ البعض إلى تحكيم لجنة خبراء في الحزب من غير المرشحين، لكن اللجنة ستجد حرجا شديدا في التفضيلات، وهي قد تصل إلى قرار، لكن الحقيقة المؤسفة أن من يأتي متأخرا إما أنه لن يقبل أو بالحد الأدنى سيكون سلبيا؛ فهو يعرف أنه سيحرث ويدرس لتذهب منفعة الأصوات التي يجلبها لغيره، بعكس القوائم المفتوحة، حيث يبقى لديه أمل بقدر ما يجلبه من أصوات لنفسه وللقائمة.
والشيء نفسه ينطبق على سياسيين مستقلين يطمحون إلى تشكيل قوائم ذات نكهة ولون سياسي، وحتى من يريد تشكيل قوائم على خلفية ثقل عشائري أو شيء مختلط بين هذا وذاك.
في محاولة أخرى وأخيرة لإنقاذ الموقف، اقترحت على الهيئة المستقلة إصدار تعليمات تنفيذية تسمح بائتلاف القوائم. وهو أمر موجود في دول تعاني من التعدد الكبير للأحزاب والمجموعات السياسية.
لكن هيهات! فقد رفضت هذه الفكرة أيضاً بذريعة عدم وجود مرجع لها في القانون، مع أنها أكثر منطقية وشرعية من الحد الأدنى بتسعة أعضاء الذي لا أساس قانونيا له.
الغد