ليلة دُخلة.. على الرصيف!!

ليلة دُخلة.. على الرصيف!!
الرابط المختصر

مقاهي الرصيف خاصة ، والمقاهي بعامة ، ظاهرة جديدة في عمان ، ويلزم المرء عدة جلسات ورادار شديد الحساسية لاكتشاف ما يجري حوله ، أهم بؤر هذه المقاهي متجمعة في قلب منطقة الشميساني ، غير بعيد عن شارع الثقافة ، انها مساحة ذات طقوس مختلفة عما يجري في باقي المدينة ، وروادها من طبقة معينة ، بوسعها أن تدفع ما يزيد عن نصف دينار ثمن فنجان قهوة أو كأس شاي ، دون أن يرف لها جفن أو يوخزها ضمير،.

عنوان المقهى: الأرجيلة والمشروبات الخفيفة والآيس كريم صيفا ، والسحلب شتاء ، هذا على السطح ، أما "داخل" المشهد فثمة تفصيلات كثيرة تكشف عالما مختلفا ، له دلالة عظيمة على التغيرات البنيوية التي طالت طقوس المدينة التي كانت مستقرة لعقود ، فعمان الآن بدأت تحمل في أحشائها بذور أمراض المدينة الكبيرة ، بكل طرافتها وقُبحها،.

أول ما يلفت النظر ما يمكن أن يسمى: اقتصاد الرصيف ، وهو شكل قديم مستحدث ومُعاد انتاجه من تجارة الشنطة ، الممزوجة برشة استجداء وقليل من توابل خفة اليد وألاعيب "الجلا جلا" ، صحيح أنها مضجرة أحيانا لكنك لا تملك في غالب الأحيان الا أن تسأل عن كنه هذا الشيء المعروض ، وهنا تقع في الفخ المنصوب لك ، ولا تنتهي الاستفسارات الا بدفع مبلغ ما لقاء شيء ما قد لا تحتاجه البتة،.

يبدأ العرض باستئذان شاب له شيء من الهندام كان أنيقا قبل اللف والمشي على الطرقات ، كي يريك "المطرقة العجيبة" مؤكدا لك أنه لا يريد أن يبيعك أبدا ، بل للفرجة ، والمطرقة المشار اليها ، شيء يشبه الشاكوش ، تضم في أحشائها مجموعة كبيرة من المفكات متدرجة الحجم ، ويمكن استعمالها لأغراض شتى ، وكل هذا بدينار واحد وفق العرض الخاص الذي يقدمه لك البهلوان ، عفوا البائع ، مع أن ثمنها بلا عرض لا يقل عن ثلاثة دنانير ، كما يقول ، واذا لم تثر هذه الاداة الفريدة دهشتك ، أخرج الحاوي فرشاة الأسنان العجيبة ، التي تنظف اسنانك وتدلك لثتك بدينار واحد مع بطاريتها ، وقبل أن تفيق من دهشتك وتستدعي وعيك فتستأذن في العودة الى الحديث مع من تجالس ، يُخرج الحاوي فرشاة الشعر الكهربائية العجيبة ، التي تسرح شعرك وتدلك جلدة رأسك في آن واحد ، ولا تملك هنا الا أن تشتري واحدا من هذه العروض العجيبة ولو من باب كف الشر أو تبديد الضجر ، خاصة وأن كل ما عليك دفعه ليس غير دينار فحسب،. »

واذا ما انتهيت من عروض الحاوي المتأنق ، فاضت عليك عروض أخرى: جرابات وأحزمة للبنطال ، وأشرطة كاسيت وسيديهات منوعة ، وورود اصطناعية ، وتحف فالصو ، وألعاب للصغار ، ويلفت نظرك أن الباعة هنا متنوعو الأعمار: تبدأ من سن ثلاث سنوات ، حيث ينتشر أطفال يحملون أشياء تافهه ، فيما يرقبهم آباؤهم عن بعد ، وأحيانا يكون الجو باردا ، فيرجوك البائع الطفل أن "تجبر" عنه سلعته بسبب البرد ، وحاجته الماسة للعودة لفراشه خاصة وان الساعة تكون قاربت منتصف الليل،.

وبعيدا عن هذا المشهد الخارجي ، وهنا مربط الفرس ، ترقب العيون الفاحصة (والفاحشة أيضا) حركات مريبة بين شباب وشابات من مختلف الجنسيات العربية الأجنبية ، متبرجات على نحو يوحي أن الليلة ليلة دُخلتهن ، ويُقال والله أعلم أن ثمة صفقات واتفاقات مشبوهة ، لها رائحة غير أخلاقية ، ولا يحتاج المراقب الى ذكاء كبير حتى يُدرك أن ثمة شبكة أو شبكات تمارس عملها بأريحية كبيرة وسط حشد كبير مختلط من الناس يظل سهرانا حتى الساعات الأولى من الفجر،.

هو كرنفال رصيفي يمتد على مساحة كبيرة تضج بالناس طيلة الليل ، لكأنه قـُدَّ من عمان فلم يعد ينتمي لها ، وهذه واحدة من طقوس المدينة الجديدة ، المدينة الكبيرة،.

الدستور

أضف تعليقك