لماذا ننتقد اقتصاد السوق في الأردن؟
اعتقد البعض ان الانتقادات التي توجه عادة للسياسات الاقتصادية والتنموية التي اتبعت في السنوات القليلة الماضية تأتي من باب الاعتراض على الانفتاح وعدم الايمان بالسوق الحر, وهذا كلام غير صحيح على الاطلاق.
نحن مع الاقتصاد الحر المبني على قواعد المنافسة, وليس الذي يتحكم فيه خمسة تجار كبار يوردون ما يشاءون للبلد ويتحكمون بالاسعار, اما الحكومة واجهزتها فلا حول ولا قوة لها لحماية المواطن من الاحتكارات وغلاء الاسعار.
نحن مع الخصخصة والدفع قدما بيد القطاع الخاص لاخذ زمام ادارة الانشطة الاقتصادية وتعزيز مفاهيم زيادة الانتاجية ورفع كفاءة المشاريع وتشغيل الاردنيين, لكننا لسنا مع التفريط بأسهم الشركات الحكومية وتصويرها على انها "بعبع" وبيعها "بتراب المصاري" كما حدث في البوتاس والفوسفات اللتين بيعت ثلاثة ارباع اسهم الحكومة في الشركتين العملاقتين ب¯ 200 مليون دينار في الوقت الذي تساوي اليوم اكثر من 10.2 مليار دينار بسعر السوق, فاي جريمة ارتكبت بحق الاقتصاد الوطني وبحق الخزينة وبحق الاردنيين والاجيال المقبلة?
نحن مع نظام ضريبي مبني على أسس العدالة والتصاعدية في الدخل كما هو حاصل في دول العالم المتحضر, ولسنا مع تخفيض الضريبة على البنوك ورفعها على القطاع الصناعي بحجة توحيد الشرائح, ولسنا مع اعفاء المخالفين من الغرامات وزيادتها على ذوي الدخل المحدود تحت مسميات مختلفة, والكل يتذكر اي غبن وظلم لحق بالاردنيين من قرار وزير مالية حكومة عدنان بدران في الايام الاولى من عهدها عندما قرر ذلك الوزير الغاء الغرامات الضريبية عن المتخلفين والتي قدرت حينها بحوالي 250 مليون دينار بحجة الاسراع في تسديد الاقساط المستحقة عليهم, مقابل تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات ذات المحركات الكبيرة بناء على طلب من احدى الدول المانحة وزيادة الرسوم على السيارات الصغيرة, ولا ادري كيف تتحقق العدالة من تلك القرارات "الفهلوية" التي ليست لها علاقة من قريب او من بعيد بالعدالة, وليست لها صلة بقواعد السوق الحر ولا بالتنمية وابعادها المختلفة.
نحن مع برامح التنمية التي تولي المحافظات اهمية في تطويرها وتحسين البنية التحتية, لكننا ضد برامج الانفاق التي تنفق من دون حساب او تخطيط وكأنها تسقط علينا بالبراشوت, فلا احد يدري كيف اقرت ولماذا اقرت او حتى كيف انتهت?, كما هو حاصل في برنامج التحول الذي جرى تخبئة تقييمه من قبل الجهات الرسمية لعدم فضح نتائجه المخيبة والتي لم تعد خافية على احد بعد ان انفق 356 مليون دينار من دون اي جدوى اقتصادية او مردود تنموي.
نحن مع معالجة المديونية وتخفيضها بالقيمة المطلقة من عوائد التنمية ومردود النمو الاقتصادي وليس من بيع ممتلكات الاردنيين كما حصل في الاتفاقية الاخيرة لشراء جزء من ديون نادي باريس.
نحن مع موازنة منضبطة في عجزها تتلاءم مع واقعنا الاقتصادي, لا مع موازنة منفلتة, تعيدنا للوراء وتتعامل مع المؤشرات الاقتصادية باعصاب باردة كما فعل احد وزراء المالية الذي لم يستطع ان يمضي في الوزارة اكثر من اربعة شهور انفق خلالها اكثر من ثلثي الموازنة, وتفاقم العجز لاكثر من 25 بالمئة من الناتج المحلي بعد ان تبين زيف تقديراته بحجم المساعدات التي انخفضت بنسبة 70 بالمئة, فاستقال من منصبه تحت حجة عدم الانسجام مع الحكومة اضافة للضغط النيابي والشعبي, والحقيقة انه اراد الانسحاب من الكارثة الاقتصادية التي وضع الاردن فيها بسبب جهله وفهلوته.
بصراحة نحن ضد الفساد واستغلال المسؤول لمنصبه هو او حتى "زوجته" او "زوج ابنته", نحن مع المساءلة والرقابة والمكاشفة والتقييم ومن ثم المحاسبة