كيف يستقبل النواب البيان الوزاري؟
يستقبل النواب البيان الوزاري لحكومة د. معروف البخيت بمشاعر مختلفة, عكستها مرحلة ما بين كتاب التكليف والبيان الوزاري بوضوح.
أولى هذه المشاعر وأصدقها، هي الندم على منح حكومة الرفاعي ثقة عالية، ما عرض النواب الى ضغط سياسي وإعلامي كبير, وأهدى خصوم النواب وخاصة القوى السياسية التي قاطعت الانتخابات أو التي تضررت منها، ورقة قوية باتت تشهر في وجوههم بمناسبة وبغير مناسبة.
ثاني هذه المشاعر وأهمها أن النواب يبحثون عن أداء أفضل لمهماتهم الدستورية، يساعدهم على ذلك غياب الوصاية الأمنية وعدم التدخل في شؤونهم. والأهم الجرعة العالية من التحفيز التي منحها لهم جلالة الملك عندما التقى المكتب الدائم ورؤساء اللجان في مجلس النواب. وما سمعه النواب الذين تشرفوا بلقاءات فردية مع الملك، ما أبعد عنهم هاجس الحل الذي سيطر عليهم لفترة زمنية.
الحكومة، من جهتها، تطمح بعلاقات متوازنة مع النواب، فهي تحت ضغط التوجيه الملكي بضرورة التنسيق والتشاور الجدي مع مجلس النواب، وهي تحتاج النواب لتمرير سياساتها بأقل كلفة سياسية، وسوف تسعى "لتفهم" حاجة النواب الى استعادة شعبيتهم، لكن إلى حدود تحمي هيبة الحكومة وصورتها أمام الرأي العام.
واظن أن د. البخيت الذي خبر التعامل مع مجلس النواب والنواب فرادى، يسكنه هاجس تجربته السابقة أثناء حكومته الأولى، مع ان الدنيا تغيرت ود. البخيت اليوم ليس هو نفسه رئيس الحكومة الأولى.
النواب اليوم، أمام حكومة مقبولة شعبيا أكثر من حكومة سمير الرفاعي، ويضم الفريق الوزاري شخصيات سياسية نظيفة ومحترمة، وأرسلت الحكومة مبكرا رسائل سياسية لافتة إلى النواب والرأي العام, التزاما بالتوجيه الملكي الصارم، للسير نحو "إصلاح حقيقي وسريع"، فالكل يلمس جدية أكبر في التوجه لمكافحة الفساد واستعدادا أكبر للمضي قدما نحو فتح ملفات الإصلاح السياسي. وخطوات رمزية ذات دلالة من وزارة الصناعة والتجارة، حددت من خلالها أسعار بعض المواد الأساسية وشكلت دائرة تعنى بالتموين، كخطوة تشير إلى إعادة الاعتبار لدور الوزارة الغائب عن التعامل مع المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن وحماية المستهلك من الجشع والاحتكار.
خلاصة القول، إن مجلسا متحفزا لدور تشريعي رقابي حقيقي، يلاقي حكومة تواجه ضغطا ملكيا للتقدم نحو الإصلاح، وضغطا شعبيا بنفس الاتجاه، ما يوفر فرصة تاريخية لدخول مرحلة جديدة في حياتنا السياسية، ستكون استكمالا لمرحلة التحول الديمقراطي الذي انطلق عام 1989 وتعرض لانتكاسات بفعل ضغط قوى الشد العكسي.
مجلس النواب يجب أن يطور أداءه الراهن القائم على الفردية وردات الفعل، وينتقل إلى العمل الجماعي المؤسسي والفعل المدروس، وهذا ما يجب ان يساعد عليه النظام الداخلي الجديد قيد الدراسة لدى اللجنة القانونية في المجلس.
مجلس النواب يجب ان يتنبه لسلوكه ويبتعد عن مظاهر المناكفة، وأن لا يستعجل في تحسين صورته أمام الرأي العام؛ فالعمل الجاد يسجل الصورة بالتراكم.
الغد