كلّ يوم وأنتم بخير!

كلّ يوم وأنتم بخير!
الرابط المختصر

يحرصُ العيدُ على المجيء العادل؛ فيمرُّ على كلِّ أحوال السنة، وإن احتاجَ ذلك العدلُ إلى عقود، لكنه في النهاية يظللنا بعباءته البيضاء، في موعد غير ثابت كلَّ عام، ونكونُ بذات الحال..، فنودِّعُ بعضنا عند العتبات أو على الأرصفة مطمئنين: كلَّ عام وأنتم بخير!

كان هذا "زمان" قبلَ أنْ تصابَ "المعدَّلاتُ" بالتضخم؛ وتطرح الأوراقُ النقدية بسخاء يُقلِّلُ من شأنها؛ فأيّ طفل في الرابعة من عمره سيرضى بـ "عيدية" قوامُها دينار أخضر .. قبل إقرار موازنة 2011..!

كلُّ شيء بات قابلا للتضخم: السياراتُ في المعارض المفتوحة تلك التي يكونُ ارتفاعها أعلى من الإشارة حتى لو كانت حمراء، الأبراجُ التي تشهقُ هواءَنا وتحْجِبُ الشمسَ عن وظيفتها الأخرى كمنبه ضوئي لمن لا يملكون ثمن بطارية شحن، والفواكه في سوق الخضار المركزي محقونة بكيماويات "تهرمنُ" سعرها؛ كلُّ شيء ليس بخير.. حتى إنّ درجات الحرارة ما عادت تطيقُ معدَّلها السنويِّ!

وحده الفرحُ ما يزالُ يتقلصُ؛ يأتينا قصيرا مثل موعد عاطفي تحت رقابة الأمِّ المحافظة..، هستيريا مثل ردَّة الفعل على انتصار الفريق المفضَّل في التصفيات قبل الإخفاق في النهائيات!

لكنه يأتي؛ صحيحٌ أنَّ ملامحه قد تغيَّرت، وابتسامته فاترة مثل دعوة الطبيب (حين يكونُ مستعجلا لمغادرة المستشفى العام إلى عيادته الخاصة) للمريض بالشفاء! إلا أنه فرحٌ يليقُ بعيد يأتي بعد مضيِّ نصف شهر على استلام الراتب!!

ربَّما تغيَّرَ الفرح؛ كان زمان (وليس زمانا بعيدا) لذيذا مثل وخز الضحكِ عندما يكونُ من الخاصرة حين يقولُ "سرحان عبد البصير" إنه سكَنَ منزله في رمضان، ويُوضِّحُ أكثر أنَّ هناك رمضان يأتي في الصيف، وآخر في الشتاء. ويحدِّدُ إجابته أكثر:"أنا سكنتْ في رمضان اللي وراه العيد على طول"!

.. ونمسكُ الخاصرة في العرض الألف، ضاحكين من روح الروح كأنما نشاهدُ المسرحية بالدهشة الأولى!

ليس هو ذاته الفرح الذي كنا نستمتعُ به صباحا إلى حيرة ناظم الغزالي "أيّ شيءٍ في العيد" يُهدي حبيبتهُ؛ ويروحُ بغناء عراقي شجي يُعدِّدُ هداياه الثمينة: سوارٌ، دملجٌ، عقيق، ورود.. حتى يتأكد أنها تملكُ كلَّ ذلك، فيقرِّرُ منحها روحَهُ التي يكتشفُ سريعا جدا أنها، منذ زمن، في يَديْها!

والروحُ ما عادت غالية حقا.. يمكنُ أنْ تتلفَ، عندَ النوم المتأخر، بيد العروس التي أتى إليها عريسها، قبل الأربعين بشهرين خاليَيْن من التزامات البنوك!

اليوم عيد.. فيا أيها الناجون من حوادث السير التي لا يمهلها القدر حتى فتح "كروكا"، ويا أيها الخارجون بربع الأمل من دفتر شيكات لتعويض متضرري البورصات، والفائزون والخاسرون من مباراة للوحدات والفيصلي انتهت بضربة حظ ترجيحية، يا مَنْ لم تقفوا بعد في أحد طوابير مستشفى البشير العشوائية (في قسم الباطنية تحديدا)، يا من أخطأتكم قنابل الموت في عشرة أنواع من العدوان الإسرائيلي...؛ هل أنتم بخير؟!

ها إنني من فرط "التضخم" نسيتُ أنَّ اليومَ عيد؛ لكنني لنْ أطمئنَّ إلى أحوالكم حتى العام المقبل، يلزمني أنْ أقرأ عناوين الصحف قبل الطباعة، وموجز الأنباء قبل النشرة المفصَّلة، حتى أقولَ بقلبٍ مرتجف:"كلَّ يوم وأنتم بخير"!

الغد

أضف تعليقك