"كازك يا وطن"!
ناشطون شباب وعمال نقابيون و طلاب، أطلقوا حملة «كازك يا وطن» تعبيراً عن رفضهم لأسعار المحروقات المرتفعة وانعكاساتها الكارثية على كل مناحي الحياة، وسط أنباء محتملة عن رفع عدد من المشتقات النفطية، وحصر عطاء استيراد وتوزيع وتسويق هذه المشتقات في شركتين فقط.. ما يعني احتكار سوق النفط في الأردن والتحكم بأسعاره وفق مصالح هذه الشركات!
حملة «كازك يا وطن» تستدعي على الفور مسرحية غوار «كاسك يا وطن» وبين الكاس والكاز مجرد حرف، وتستدعي أيضا جملة من الاصطلاحات والمواقف والتعبيرات، متناقضة حينا ومتوافقة حينا آخر.. تدفعني لهذه التنويعات أو العزف المنفرد على وقع «كازك يا وطن»!
أتذكر أمي حينما كانت تغضب وتصل حدها الأقصى من الانفعال، كانت تقول: بدي أشرب كاز واسم حالي بلكي ارتحتوا مني! أو: بدي أشرب كاز وأخلص من هالعيشة، وبالطبع لم تنفذ تهديدها أبدا، ولم تكن لتفعل، لأنها كانت مؤمنة بالله رحمها الله، والانتحار حرام، وبين يدي تعبير بدي أشرب كاز، يقفز إلى ذهني فورا مشروب جديد لعين، يدير الرأس لفرط غرابته وارتفاع ثمنه، وكله شُرُبْ، إنه مشروب سموه الويسكي الحلال، أنتج خصيصا للعرب الأثرياء، وللمسلمين بشكل خاص، سعر الكأس الواحدة منه يزيد على قيمة شقة من 3 غرف نوم في مدينة عربية متوسطة المستوى المعيشي، أي 285 ألفا من الدولارات، الزجاجة الواحدة من هذا الويسكي تحتوي على لتر واحد فيه 55 ألف نقطة متوسطة الحجم كنقطة المطر وتنفع لسكب 20 كأسا كمعدل، ثمنها 5 ملايين و650 ألف دولار، وبما أن الكأس الواحدة تحتوي ما بين 11 و13 جرعة أو رشفة من الويسكي كمعدل، لذلك فإن رشفة واحدة من هذا الويسكي «الحلال!» تكلف 24 ألف دولار، وهي تكفي لعيش عائلة عربية متوسطة الاحتياجات طوال 3 سنوات تقريبا، مع مصروف الكاز طبعا!
ليس بعيدا عن الكاز أيضا، ثمة مصطلح لا يعرفه إلا الفقراء: «رُبع كاز» وهو مصطلح كان - ولم يزل طبعا - حاضرا بقوة في بيوت الفقراء، فلم يكن في وسع هؤلاء شراء أكثر من ربع لتر من هذه المادة، وهو بهذا الحجم لا يزيد عن حجم زجاجة صغيرة، كان يستخدم لإشعال البريموس، أو «بابور» الكاز، وفي أحايين استثنائية جدا ربما استعمل جزء منه لإشعال مدفأة، أو ربما تستعار منه مجرد «رشة» للمساعدة على إشعال كومة حطب للتدفئة..
من فترة ليست بالقريبة، وقعت الحكاية التالية، ذهب أحدهم إلى «الكازية» وللاسم دلالته هنا، فالفقراء لا يعرفون من المحطة إلا الكاز، لذا أطلقوا اسم الكاز (وهو خاص) على كل المحطة وهي (العام) كان أحدهم هذا برفقة صديقه، جاء الكازية لتعبئة وعاءين كبيرين بالكاز، بعد أن تمت تعبئتها تبين له أن عليه أن يدفع ما يقارب 35 دينارا ثمنا للكاز، طبعا لم يكن في حوزته غير 15 دينارا وفق تقديراته السابقة لأسعار الكاز، فلم يكن من الإثنين إلا أن غافلا عامل المحطة وهربا تاركين وراءهما عبوتيْ الكاز، لأنهما وقعا في حرج المواجهة ولا يستطيعان دفع ثمنهما، للعلم، هذه الحكاية وقعت قبل الرفوعات الأخيرة لمشتقات البترول، أنا موقن ان هذين لم يصلا الكازية منذ ذلك التاريخ، لأن أحد هذين الشخصين أقسم لي أنه لم يشتر منذ تلك الشتوية ولا حتى ربع كاز، وأقسم أيضا أنه لم يستعمل أي نوع من أدوات التدفئة سوى الحرامات، حيث يعمد أفراد أسرته إلى لف أنفسهم بالغطاء السميك كي يقووا على مقاومة البرد، ببساطة يقسم أنه لا يستطيع شراء الكاز لارتفاع ثمنه، هذا طبعا قبل تحرير السعر، ترى ماذا أصبح حاله بعد التحرير، والرفع المتكرر؟؟
كازك يا وطن.. هل تخيلتهم ماذا سيحصل، حينما نصل مرحلة ذلك الـ «خالص كازه»؟
الدستور