كأن نيسان العام 1989 ما كان, وكأن التاريخ يعيد نفسه من دون أن نتعلم شيئا, فقد استيقظ الشعب الاردني ذات يوم نيساني وإذا برقم المديونية يتجاوز 11 مليار دينار.
في 5 آب ,2002 كتبت مقالا في العرب اليوم بعنوان على الفقراء ان يشدو الاحزمة من جديد وذلك بعد وصفة جديدة من صندوق النقد الدولي لمدة عامين, تذكرت تلك المقالة, واسمحوا لي ان اقتطف بعض فقراتها اليوم بعد ان كشفت بيانات وزارة المالية أمس أن الدين العام للأردن بلغ 13.9 مليار دينار (19.6 مليار دولار), بينما يعرض صندوق النقد الدولي على الاردن تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي خلال الفترة المقبلة كشرط للتمويل للحصول على التسهيلات المطلوبة إلى حين الخروج من الضائقة المالية التي تعصف بالموازنة العامة.
لم تعد فقط المعارضة وبالذات اليسار في الساحة السياسية هم الذين يهاجمون سياسات ووصفات صندوق النقد الدولي, ويعتبرون برامجها التصحيحية للاقتصاد الاردني السبب الرئيسي في اختلال الاوضاع الاقتصادية, بل انضم اليهم مسؤولون حكوميون كانوا في فترة ما يتعاملون مع اوسع شريحة من الفقراء في الاردن.
وزير التنمية الاجتماعية الاسبق محمد خير مامسر هاجم الاصلاحات الصندوقية وقال ان برامج التصحيح الاقتصادي المتمثلة بوصفات البنك الدولي وخاصة في الاردن ادت الى الغاء دعم المواد التموينية ورفع اسعار الكثير من الخدمات الاساسية, ورفع الدعم عن التعليم تدريجيا, والغاء الحماية الجمركية عن الصناعات الوطنية, وخفض الجمارك عن مواد لا تهم الفقراء, واصدار قوانين تضر بمصالح الفقراء -والكلام ما زال على لسان مامسر- اضافة الى التوقيع على اتفاقية الجات و WTO التي ادت الى ضعف شبكة الامان الاجتماعي واختراق الخصوصية الثقافية للدول النامية واختراق السيادة الاقتصادية وسيطرة رأس المال الاجنبي على الشركات الوطنية ليصل مستقبلا الى 100%.
الالتزام الرسمي بوصفات وسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين ليس جديدا, رغم ما اصاب اقتصادنا من اختلالات نتيجة هذه السياسات الصندوقية, ولكن الجديد هو التجرؤ المستمر الذي لم يكن موجودا سابقا حول الاتفاقات مع الصندوق واثارها الايجابية على الاوضاع الاقتصادية في الاردن.
كانت في السابق زيارات وفود الصندوق ولقاءاتهم بالمسؤولين الاردنيين تتم بكل سرية, ولا احد يتجرأ على كشفها, اما الان فان هذه الزيارات وحتى وجود ممثلين عن الصندوق في بعض الوزارات تتابع اعمالها وتشرف على تنفيذها يتم الاعلان عنها بالخبر المكتوب والصور المشتركة لكل هذه اللقاءات وتتصدر عناوينها واجهات الصحف واخبار التلفزيون.
في مرات قليلة اعترفت الحكومات ان قراراتها رفع الاسعار وبالذات اسعار المحروقات جاء نتيجة ضغوط الصندوق وجولة محادثات معه, اما الان فإن رفع الاسعار ورفع الدعم عن سلع, وزيادة نسب ضريبة المبيعات, ورفع اسعار الكهرباء اصبحت على الغارب ولم تقل الحكومات ان هذه القرارات جاءت بهدف ابرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
على الفقراء إذاً تحمل عظمهم بعد ان فقدوا اللحم, ان يشدّوا الاحزمة من جديد فسوف نبقى تحت رحمة وصفات صندوق النقد واملاءاته ولا احد يدري الى اين ستصل الامور, وهل ستكون هذه الوصفة الجديدة كما يقول الاطباء قبل الاكل ام بعده ان وجد?!
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span