قروض (الضمان) للمؤسسات الرسمية.. ديون متعثرة ومشاريع متوقفة
تنمية اموال الضمان الاجتماعي لا تكون بالتدخل في قرارها الاستثماري من قبل الحكومة او غيرها من الجهات شبه الرسمية, بل من خلال تعزيز استقلاليتها, فأموال الضمان هي اموال الشعب وليست اموال الحكومة كما يعتقد بعض المسؤولين الذين يحاولون التغول على تلك المؤسسة الوطنية الكبرى.
الكل يعلم ان معظم مشاكل الضمان السابقة في ما يتعلق باستثماراتها الخاسرة في السنوات السابقة كانت نتيجة هيمنة القرار الحكومي على المؤسسة من دون الاخذ بعين الاعتبار الجدوى الاقتصادية للمشاريع, وقد تراكمت تلك الخسائر وباتت محفظة الضمان الوسيلة التي تمكن اصحاب النفوذ من تمرير صفقات بعضها اثار جدلا واسعا في الشارع العام.
اليوم بات للضمان صندوق استثماري بادارة مستقلة وفق القانون الجديد وهو استكمال للوحدة الاستثمارية التي تعزز استقلالها كثيرا في السنوات القليلة الماضية, ونتيجة لذلك حققت الوحدة سابقا او الصندوق حاليا نموا ملحوظا في موجوداته بعد ان سيطرت الكفاءة والمصلحة العامة على اي قرار استثماري.
صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي يمتلك موجودات تقترب من 4.6 مليار دينار تتوزع ما بين 588 مليون دينار في محفظة ادوات سوق نقدية, و945 مليون دينار في محفظة السندات واكثر من 122 مليون دينار قروضا منحتها المؤسسة وما يقارب الـ 26.6 مليون دينار اموالا يتم استخدامها للمتاجرة بالاسهم في بورصة عمان, علما ان قيمة محفظة الاستثمارات في الاسهم الاستراتيجية تناهز الـ 2.304 مليار دينار تتوزع في غالبيتها حصص مؤثرة في 10 شركات كبرى,وهناك 180.9 محفظة للمساهمات الخاصة و323.2 مليون دينار قيمة المحفظة العقارية, و36.3 مليون دينار تقريبا قيمة محفظة الاستثمارات الخارجية.
سيولة عالية وموجودات كبيرة
الهيكل المالي لصندوق اموال الضمان يدلل بوضوح على مدى المتانة المالية العالية التي يمتلكها صندوق مدخرات الاردنيين, خاصة في ظل الظروف المالية الصعبة التي يشهدها الاقتصاد الاردني بشقيه; القطاع الخاص والعام, حيث بدا واضحا الضعف المالي الذي يلقي بظلاله عليهما مما انعكس سلبا على معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد الذي لم ينم اكثر من 2 بالمئة في الربع الاول, وهو انعكاس طبيعي لمؤشرات سلبية حادة تعاني منها الخزينة العامة بعد ارتفاع المديونية وازياد العجز وشح السيولة وتأخر انجاز المشاريع وتوقف عملية تحول الاصول الى نقد مما عزز حالة التباطؤ في الاقتصاد.
السيولة المالية العالية في محفظة اموال الضمان قد تدفع بعضالمغامرين الحكوميين او مسؤولين تساقطوا على العمل الرسمي بـ البراشوت للنظر الى اموال الضمان باعتبارها رديفا للمال العام ويحق استخدامها في مشاريع حكومية يروجونها باعتبارها ركيزة اساسية للتنمية.
ولذلك فان اموال الضمان الاجتماعي او مدخرات الاردنيين تتعرض بين الحين والاخر الى ضغوطات مباشرة او غير مباشرة لاستثمارها هنا او هناك, علما ان القرار الاستثماري يجب ان يبقى حصريا في ادارة الصندوق, ويكون القرار مبنيا على دراسات جدوى حقيقية تعزز من عملية التنمية المستدامة.
شواهد حدثت مع الضمان
في السنوات القليلة الماضية بدا للرأي العام ان اموال الضمان معرضة للتغول عليها من جهات متنفذة كادت ان تؤدي الى الحاق خسائر مادية كبيرة بمحفظة الضمان بوساطة تمويل مشاريع غريبة على الاقتصاد الاردني وغير واقعية ولا تشكل اولوية.
العجز المالي الذي تنامى في الخزينة العامة بسبب سياسات الإنفاق غير الرشيدة التي اتبعتها الحكومات المختلفة والهرع نحو عمليات اقتراض خارجية وداخلية وصلت الى مستويات قياسية غير مسبوقة دفعت بعض المسؤولين الفهلويين الى البحث دائما عن اموال لتمويل مشاريع نتاج افكارهم وحدهم, وهنا كانت اموال الضمان تثير لعاب هؤلاء المسؤولين الذين باعوا موجودات الاردن بثمن بخس في برنامج التخاصية مقابل ما يقارب الملياري دينار واستخدامهما في سداد جزء بسيط من ديون نادي باريس في صفقة ما زالت تثير التساؤلات حول جدواها وتوقيتها, والكثير من المراقبين يرونها انها اضاعت اموال الاردنيين من دون اية جدوى خاصة مع عودة الدين العام للارتفاع وتجاوزه سقف الـ 14 مليار دولار, وقد بدا واضحا ان هناك محاولات متكررة للسيطرة على اموال الضمان وتوجيهها نحو مشاريع محددة ليست لها صلة بمفهوم التنمية, فالشواهد كثيرة وتدلل على ان الضمان بحاجة الى ضمان على امواله.
100 مليون دينار لبناء سفارات في الخارج
الجميع يتذكر حالة الهلع الحكومية التي اصابت بعض الوزراء بالضغط على ادارة الضمان قبل اعوام قليلة لاستدانة 100 مليون دينار منه من اجل بناء مقرات دائمة للسفارات الاردنية في الخارج واقامة سكن للسفراء في خطوة اثارت استياء الرأي العام حول هذا المشروع الغريب حينها, والترويج للفكرة على اعتبار انها افضل واضمن استثمار, فاي عائد استثماري سيتحقق من هذه العمل اذا كان الطلب الذي تقدم به وزير المالية حينها لاستدانة الـ 100 مليون دينار من الوحدة الاستثمارية يطلب فيه ان تكون فائدة القرض مخفضة عن سعر السوق؟.
واي فائدة كان سيجنيها الضمان من ضخ 100 مليون في سوق العقارات الخارجية التي تهاوت بعد شهور قليلة في اسوأ ازمة عالمية شهدها الاقتصاد الدولي, والتي ادت الى شل حركة العقارات بعد ان فقدت اكثر من 50 بالمئة من قيمتها, وكان من حسن حظ الضمان ان المشروع تعطل وإلا لتبخرت امواله في الخارج.
200 مليون لمحفظة عقارية في لندن
قبلها بشهور قليلة تعطل في ادراج رئيس الحكومة سنة 2008 مشروع خفي تسلل الى مجلس الوزراء يقضي باستثمار 200 مليون دينار من اموال الضمان في محفظة استثمارية عقارية في بورصة لندن, ولم يتمكن احد من الاطلاع على تفاصيل المشروع حينها او تفاصيله, وكل ما في الامر ان من قام بالترويج له ضغط على الجهات الرسمية المختلفة لاستثمار هذا المبلغ قبل فوات الاوان واستغلال الفرصة التي لا تعوض حسب رأيه, وبعدها باشهر قليلة حدثت الازمة المالية العالمية, حمى الله الضمان من فخ استثماري جديد.
الاستثمار في المناطق التنموية... حبر على ورق
أما فيما يتعلق بالاستثمار في مشروع المفرق التنموي واعتباره فرصة نادرة, فللاسف كان قرار الضمان الدخول بالمشروع مفاجئا وبات واضحا للرأي العام ان مساهمته في رأسمال الشركة البالغ حوالي 100 مليون دينار كان بفعل قوى ضاغطة نجحت بالصاق المشروع في الضمان علما ان دراسات الجدوى الاساسية للمنطقة التنموية في المفرق كانت تفتقر للاسس الصحيحة, وكانت مترجمة عن خطط تنموية في الخارج جرى نسخها من قبل البعض وتسويقها داخليا.
وفي السياق نفسه دخل الضمان في مشاريع اربد التنموية من دون ان يساهم هو في اطلاق المشروع او يتبناه استثماريا.
محاولة بيع اسهم الضمان في الاسكان.. صفقة مشبوهة
الكل يتذكر كيفية الضغط المباشر وغير المباشر على الضمان لبيع اسهمها في شركات حيوية رئيسية للاقتصاد الوطني قبل اشهر قليلة ومنها بنك الاسكان الدولي, وقد رفض مجلس ادارة صندوق الضمان حينها عرضا من احدى الشركات الخليجية لشراء كامل حصته في بنك الاسكان البالغة 38.8 مليون سهم او ما نسبته 15.4 بالمئة من رأسمال البنك بسعر 8.4 دولار للسهم في خطوة اعتبرها مراقبون انها دليل واضح على ايمان الصندوق بتعزيز استثماراته في الشركات الاستراتيجية وبنك الاسكان على رأس تلك الاستثمارات بالنسبة للضمان, خاصة انه الجهة الاردنية الوحيدة التي تمتلك حصة كبيرة في البنك حيث ان اكثر من 75 بالمئة من اسهم البنك تعود ملكيتها لغير الاردنيين, ناهيك عن ان البنك يحقق عائدا للضمان بحدود الـ 25-30 بالمئة ومن المتوقع ان ترتفع هذه النسبة الى اكثر من 35 بالمئة هذا العام.
قصة بنك الاسكان ورفض عرض الشركة الخليجية يجب ان يُدعم من قبل الحكومة لا ان تتدخل وتلقي باللوم على الضمان بأنه اضاع فرصة بيع اسهم بقيمة 500 مليون دولار, وتبدأ بعض الاتصالات والضغوطات على الضمان بضرورة تغيير موقفه والقبول بالصفقة الكبيرة حسب رأيهم, والحقيقة ان الصفقة لم ولن تكون مغرية لا من حيث قيمتها المادية ولا من حيث اضافتها الاستثمارية, فسعر السهم في البورصة يكاد يكون اعلى من قيمة العرض, وكما هو معلوم لدى الجميع فان الشركة التي تقدمت بالعرض ويقيم وكلاؤها صلات قوية مع جهات متنفذة في الاردن تريد شراء اسهم الضمان في البنك لبيعها من جديد لاحد الصناديق الخليجية التي تمتلك حصة كبيرة في البنك, بمعنى اننا امام سماسرة لا مستثمرين.
دابوق.. تغول رسمي صريح
لا يحق الضغط على الضمان من اجل تشليحه اسهمه في الشركات الاستراتيجية المدرة للدخل والضغط عليه لابرام صفقات مع جهات رسمية واستنزاف امواله في مشاريع غير مجدية وليست من اختصاص الضمان نفسه كما هي الحال في صفقة تملك اراضي دابوق.
رغم ان الضمان ابرم اتفاقية التملك لاراضي دابوق ومبانيها قبل ثلاثة اشهر تقريبا, ودفعه للمستحقات المالية عليه قبل اوانها والبالغة حوالي 124 مليون دينار, الا انه ولغاية الآن لم يتم تسجيل الارض باسمه والمعلومات تشير ان هذه العملية قد تتأخر بسبب مفاوضات بالكواليس تجري بين جهات حكومية والضمان بهدف تنازل الضمان عن جزء كبير من اراضي دابوق لصالح الحكومة.
قرض لسكن كريم .. التراجع عن الخطأ فضيلة
وضمن نفس العقلية الرسمية تجاه اموال الضمان لجأت الحكومات الى معالجة فشل مبادرة سكن كريم الى الاقتراض من الضمان 150 مليون دينار لتمويل عمليات البناء وتخفيض اسعار الفائدة في مشروع ولد ميتا منذ يومه الاول, وضغطت الحكومة على ادارة الضمان للحصول على سعر فائدة مخفض ونجحت في ذلك حيث منحت الضمان فائدة نسبتها 9 بالمئة علما انها كانت في السوق 11.5 بالمئة وبعد اشهر ضغطت الحكومة مرة اخرى وخفض الضمان الفائدة الى 7.75بالمئة.
ونتيجة عدم وجود اساس اقتصادي سليم لمشروع مبادرة سكن كريم وعدم انجاز المخططات بالشكل الذي اطلقت عليه, قام الضمان بسحب 120 مليون دينار وهو الرصيد المتبقي من القرض الموجه الى مؤسسة الاسكان والتطوير الحضري, وكانت هذه محاولة واضحة للعيان لاقحام الضمان في مشاريع فاشلة, وبدلا من محاسبة القائمين على ملف سكن كريم تدور الرحى على الضمان للمساهمة في المشروع بشكل او بآخر بين الحين والاخر, ولغاية الان لم تنجح تلك المحاولات.
الضمان ليس بنكا
تلك المحاولات دفعت ادارة صندوق اموال الضمان الى ايقاف عمليات الاقراض المباشرة بعد ان بدأ بعض الوزراء بطلب سلف لوزاراتهم وكأن صندوق الضمان بات بنكا يقرض المتعثرين الرسميين الذين اغلقت البنوك التجارية ابواب الاقتراض امامهم.
الضمان الذي ضغطت جهات رسمية عليه قبل اعوام للحصول على قروض لشركات شبه رسمية يعاني اليوم من ازمة في محفظة التسهيلات الممنوحة لبعض العملاء الرسميين الكبار بعد ان تعثرت مشاريعهم.
"موارد" تعثرت عن السداد.. من يحمي اموال الضمان؟
مؤسسة استثمار الموارد الوطنية وتنميتها موارد انضمت هي الاخرى الى قائمة العملاء المتخلفين عن سداد التزاماتهم المالية ومنهم الضمان الاجتماعي الذي منحها قرضين بقيمة اجمالية تبلغ 40.9 مليون دينار ناهيك عن وجود سندات بقيمة 10 ملايين بكفالة الحكومة, وقد تعثرت موارد وتخلفت عن السداد ولم تستطع الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الضمان علما ان هناك ضمانات كافية للضمان في حال التعثر كما هو حاصل الان, ومؤسسة موارد مؤسسة شبه رسمية. فهل سيباشر الضمان اجراءاته القانونية لتحصيل امواله من تلك المؤسسة ام سيتعرض لضغوطات من اجل التغاضي عن حقوقه وتأخيرها الى اشعار اخر؟.
"موارد" التي تمتلك مشروع العبدلي مع مجموعة الحريري غير قادرة على استكمال تنفيذ المشروع, والخلافات بين الشركاء وصلت الى مراحل جديدة خاصة مع الاقتراب من انتهاء عقد مقاولة المشروع الذي تنفذه شركة سعودي اوجيه وهي ذات المقاول الذي ينفذ مشروع سرايا العقبة.
ولا يبدو في الامد القصير ان موارد قادرة على انجاز مشاريعها او سداد التزاماتها للضمان حيث تعاني الشركة من تعثر مالي كبير وتخلف عن سداد اقساط لسندات دولية بقيمة 145 مليون دينار بضمان وكفالة الحكومة التي ستقوم قريبا في سداد اول قسطين متعثرين عن موارد بقيمة 14 مليون دولار, لان تخلف الحكومة عن السداد سيؤدي الى تخفيض مرتبة الاردن الائتمانية.
سرايا.. مساهمات غير مدروسة ومشاريع متعثرة
شركة سرايا العقبة التي تم تأسيسها سنة 2004 وساهم الضمان في رأسماله بقيمة 50 مليون دينار حينها بعد سلسلة متواصلة من الضغوطات الرسمية عليه للدخول في الشركة التي لم تستكمل مشروعها في العقبة وباتت عاجزة عن استكماله بسبب المديونية العالية وعدم قدرتها على الاقتراض سواء من الداخل او الخارج, وهو امر دفع مساهميها الى زيادة رأسمالها الى 250 مليون دينار, وكان الضمان رفض المساهمة في الزيادة لاسباب اقتصادية بحتة, وبعد سلسلة ضغوطات مباشرة وغير مباشرة وافق الضمان على زيادة حصته بمقدار 35 مليون دينار الا انه اشترط شروطا عدة لاستخدام تلك الاموال
تلك مسألة تثير القلق في حال عدم تمكن الضمان من تحصيل حقوقه من تلك الشركات او المؤسسات لان التغاضي عنها سيدفع الاخرين الى التنصل من التزاماتهم وتكون مدخرات الاردنيين قد بدأت بالتبخر بعد ان استخدمتها جهات في اوجه غير صحيحة, فمن سيحمي الضمان من التغول على امواله من قبل الجهات الرسمية وغير الرسمية معا؟ .
لا شك ان الضمان يتعرض اليوم لضغوطات خفية من جهات رسمية على قراره الاستثماري, وعلى ما يبدو ان هناك عقليات تنظر لاموال الضمان على أنها تحت تصرفها بحكم الولاية الرسمية للحكومة, والواقع ان حماية الضمان هي اولى اولويات الحكومة اذا ارادت الحفاظ على مكتسبات ومدخرات الاردنيين.
وعلى الضمان في نهاية الامر ان يوضح للرأي العام بكل شفافية اية عمليات بيع او شراء يقوم بها, فهناك مئات الآلاف من الاردنيين وضعوا مدخراتهم في تلك المؤسسة, ولا تحقق استقلالية الضمان اليوم سوى الشفافية وتعزيز المساءلة عن اي قرار استثماري للضمان, ويكفينا في الاردن اشاعات هنا وهناك حول الكواليس التي تقف خلف القرارات الاستثمارية التي اتخذت في الآونة الاخيرة .