قانون الانتخاب: هل ما يزال هناك متسع لحل تشاركي؟
تستخدم الحكومة والأجهزة الأمنية ذريعتين لتمرير قانون الصوت الواحد المجزوء، وإجراء انتخابات وفقه، لإنتاج مجلس نواب لا يختلف عمليا عن المجلس الحالي، ولا يؤسس لنظام برلماني قادر على التشريع والرقابة بالشكل الصحيح.
الذريعة الأولى، هي أن هذا القانون يحظى بموافقة غالبية شرائح المجتمع الأردني، وأن الإخوان المسلمين وحدهم من يعارضونه.
والذريعة الثانية، هي أن أي قانون آخر سيعطي الإسلاميين غالبية في المجلس الجديد، تفوق بكثير قوتهم في الشارع، وبالتالي سيكون قانونا جائرا مفصلا لجهة واحدة بدون القوى الأخرى.
وتروج الحكومة أن هناك استطلاعا للرأي أجري من قبل مؤسسة متخصصة، يثبت هذا الادعاء، بدون أن يطلع أحد بطبيعة الحال على هذا الاستطلاع.
تحتاج الذريعتان لبعض من التمحيص العلمي في زمن لم تعد الحجج مقنعة لأحد بدون خضوعها لمثل هذا التمحيص.
لقد التقيت خلال الأسبوعين الماضيين بعدد كبير من الفعاليات السياسية والاجتماعية والشبابية، ومن مختلف الاتجاهات؛ من حراكات شبابية ومخضرمين، ممن خدموا في الدولة وخارجها، ممن ينحدرون من أصول شرق أردنية وفلسطينية، من رجال ونساء، من محافظين وإصلاحيين، من إسلاميين ومدنيين، من بدو وحضر.
والحقيقة أنني جهدت كثيرا كي أقتنع بأن هناك غالبية من الاتجاهات تؤيد الصوت الواحد.
ويبدو لي أنه باستثناء الحكومة وأنسبائها وأقربائها، يضاف إليهم بعض كتاب التدخل السريع، فإن غالبية الاتجاهات تبدو ضد القانون، إما لاعتبارات سياسية تتعلق بوجود قناعة بأن القانون سيواصل إنتاج مجالس نيابية ضعيفة تسيطر عليها السلطة التنفيذية، أو لاعتبارات اجتماعية مختلفة.
ولا أذيع سرا إن قلت إن هناك حالة احتقان واسعة في المجتمع، من القوى المدنية قبل الإسلامية، أستغرب أن تنفي الحكومة وجودها أو أن تقلل من أهميتها.
تحاول الحكومة إقناع صاحب القرار بعدم أهمية هذه القوى، في حين أن هذه الأخيرة تمثل العديد من الشخصيات والقوى التي خدمت في الدولة، وتعتبر "من عظام رقبتها".
وترى هذه الفئات أن المعركة للوصول إلى قانون يضع البلاد على مسار إصلاح جدي وليس لفظي، ليست معركة الإخوان المسلمين، بقدر ما هي معركة كل من لا يقبل باحتكار السلطة التنفيذية لكافة السلطات، وكل من يريد وطنا للجميع وليس لفئات تحظى بامتيازات على حساب الكل.
لقد لمست شعورا عارما أن عناد الحكومة سيجلب للبلاد متاعب جمة، في وقت نحن في أشد الحاجة إلى تحصين الجبهة الداخلية.
وبالتالي، لم يعد المجال متاحا للعبارات الدبلوماسية والنقد المبطن.
كما أن أي متابع لعملية التسجيل للانتخابات يدرك مدى النسبة المتدنية للتسجيل، والتي لا تتجاوز العشرين بالمائة مما يجب أن تكون عليه.
هذا العزوف المقلق أكبر دليل على حالة عدم الرضا التي تنتاب الناس، والتي لا يمكن معالجتها عن طريق الحملات الدعائية أو الحديث مع بعض "المفاتيح" لإقناع الناس بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، بل بإقناع المواطن بجدية الدولة في الإصلاح.
أما الذريعة الثانية فإنها تجافي الأرقام. إذ لن يستطيع حزب جبهة العمل الإسلامي الحصول على أكثر من ثلاثين بالمائة من مقاعد القائمة الوطنية، وهي نسبة تفوق شعبية الحزب في الشارع؛ أي حوالي تسعة مقاعد.
أما المقاعد الـ123 الباقية، فإنه إذا استثنينا المقاعد المخصصة للبدو والمسيحيين والمحافظات المغلقة أو شبه المغلقة على الإسلاميين، كالمفرق والطفيلة ومعان وغيرها، فإن الإخوان يتنافسون عمليا على حوالي ثمانين مقعدا، لن يتمكنوا من الحصول على أربعين بالمائة منها في أفضل الأحوال.
بمعنى آخر، قد يحصل الإخوان على أربعين مقعدا في المجمل.
وإذا افترضنا نسبة خطأ عالية جدا تصل إلى عشرة مقاعد، فسيحصل الإخوان على حد أعلى ومبالغ جدا فيه وهو خمسون مقعدا من أصل مائة وخمسين مقعدا، وهي أقل من نسبة الأربعين بالمائة التي حصل عليها الإخوان وحلفاؤهم في انتخابات 1989، ومع ذلك لم تقم الدنيا وتقعد حينذاك.
أما الادعاء بأنهم سيحصلون على أكثر من خمسة وسبعين مقعدا، فواضح أن لا أساس له، اللهم سوى استخدام فزاعة الإخوان مرة أخرى لعرقلة الإصلاح الحقيقي في البلاد.
للأسف، فإن الإصرار على قانون الصوت الواحد المجزوء هو بمثابة الإصرار على عدم تقدم البلاد سياسيا، وهو بمثابة الإصرار على امتيازات البعض على حساب الكل، فضلاً عن كونه إصرارا على مجالس نيابية ضعيفة وتابعة للسلطة التنفيذية.
وللأسف أيضا، تبدو تصريحات الحكومة وممارساتها وكأنها تسير باتجاه معاكس لتطلعات الشعب الأردني وآماله بتحقيق إصلاحات طال انتظارها. كما أن هذه الممارسات تنافي تصريحات جلالة الملك عن حكومات برلمانية، وإعادة تقاسم للسلطات، ووتيرة أسرع ممن حولنا في التقدم نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي بالعمل لا القول.كيف تقنع الحكومة الناس أن جوهرها إصلاحي، فيما صدرها يضيق حتى عن رؤية الاعتصامات السلمية لتقوم بتسييج الدوار الرابع منعا لذلك؟لقد بدأت الحكومة مؤخرا بالعزف على وتر مقلق، وهو إمكانية تأجيل الانتخابات، ليس لتعديل القانون باتجاه أكثر تشاركية، ولكن بحجة الأوضاع الأمنية في سورية، وبهدف فعلي هو تأجيل المسار الإصلاحي.لكن ما يزال هناك أمل لمسته من عقلانية العديد ممن خدموا هذا البلد بأمانة وإخلاص، في محاولة الوصول إلى حل يخرج البلاد من الأزمة الحالية، ويحصن الجبهة الداخلية، ويحقق أماني من يسعى إلى دولة مدنية تعددية قبل أن يحقق مطالب فئة معينة. وهناك اجتماعات يومية تجرى لمثقفين وسياسيين وشباب تحاول، بالوسائل المتاحة، إيصال الرسالة لجلالة الملك بأن ما يقال له عن قانون الصوت الواحد ليس دقيقا، وأن هناك حالة احتقان تسود البلاد، تنعقد الآمال حول جلالته لمعالجتها.
إن ملخص ما خرجت منه من لقاءات مع بعض قيادات الحركة الإسلامية، والعديد من الأحزاب السياسية ورجالات الدولة والحراكات الشبابية، يجعلني أعتقد أن هناك حلا يعتمد على المنظومة التالية:1. الاتفاق على برنامج وطني متكامل للاستمرار في مسيرة الإصلاح السياسي للسنوات القادمة، نظرا إلى أن الإصلاح السياسي لا يتوقف عند قانون الانتخاب فحسب، يتم تفعيله بعد الانتخابات القادمة، وذلك لإجراء المزيد من التعديلات الدستورية بهدف إعادة تقاسم السلطات، وتقوية السلطتين التشريعية والقضائية، وذلك بمشاركة البرلمان القادم.
2. ضمن هذه المنظومة، إجراء تعديل ثان على قانون الانتخاب بحيث يعطى المواطن صوتين للدائرة وصوتا للقائمة الوطنية، وإن تطلب ذلك تأجيلا طفيفا لموعد الانتخابات
.3. التوصل إلى ضمانات متبادلة من الدولة والفعاليات السياسية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، تضمن الدولة بموجبها برنامجا زمنيا للمضي قدما في الإصلاح، فيما تضمن القوى السياسية مشاركتها في الانتخابات بمفهوم تشاركي.
على الجميع مسؤولية في هذا الظرف. هناك شكوك حقيقية حول نية الحكومة القيام بإصلاحات جادة ومستدامة لم تجب عنها الحكومة بشكل مقنع، كما أن هناك شكوكا حقيقية لدى الكثيرين في درجة التزام حزب جبهة العمل الإسلامي بالدولة المدنية والتعددية السياسية والثقافية والدينية، لم تجب عنها الجبهة بشكل مقنع فعلا لا قولا أيضا.
هناك حاجة ماسة في المجتمع الأردني إلى خطاب سياسي جديد، يعتمد الدولة المدنية الحديثة نموذجا، والتعددية السياسية والثقافية والدينية منهجا، وسيادة القانون على الجميع أساسا، والتشاركية بدلا عن الإقصائية أسلوب عمل.
نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تضافر الجميع لبناء وعاء يحتوي الجميع.
الغد