حين أفصحت أمام صديقي الذي يعتقد أن الملائكة تسكن في التفاصيل، عن نيتي إشهار واقعة تسجيلي للانتخابات، قال لي إن مثل هذا الأمر لا يستحق الإعلان عنه على رؤوس الأشهاد، فمثلك هناك اليوم نحو مليون ونصف المليون شخص اعتبروا التسجيل تحصيل حاصل، وأن المسألة لا تدعو إلى مثل هذه الحفاوة والابتهاج.
فأجبته أن أهم أركان الزواج هو ركن الإشهار.
ذلك أن التسجيل من عدمه ليس مسألة اعتيادية في ظل السجال الناشب حول العملية الانتخابية، بدءاً من خطوة التسجيل للاقتراع؛ وأن القرار الفردي بالانضمام إلى الهيئة الناخبة، أو بالامتناع عن ذلك، قرار ينطوي، والحالة هذه، على موقف سياسي ينبغي التعبير عنه إذا كان للمرء منبر متاح، وكانت لديه الشجاعة الأدبية لإعلان اصطفافه جهارا إلى هذا الجانب أو ذاك.
والحق أنني لم أذهب إلى صندوق الاقتراع طوال نحو ربع قرن مضى سوى مرتين اثنتين متباعدتين، أي حين كنت أجد في دائرتي الانتخابية من هو جدير بمنحه أمانة صوتي وثقتي الشخصية.
أما اليوم، فإنني على قناعة مسبقة أن هناك من هو أهل لنيل هذا الصوت العزيز عليّ، فإن لم أعثر عليه في الدائرة الفردية، فسوف أجده في القائمة الوطنية على أي حال.
لقد سحب قانون الانتخاب المعدل من بين يديّ تلك الذريعة التي كنت أتعلل بها لعدم الإدلاء بصوتي، وممارسة حقي، حتى لا أقول القيام بواجبي المتواضع في التأثير على مجرى الانتخابات، لا سيما وأنني كنت مليئاً من جهة أولى بالشك في نزاهة العملية، وكنت على يقين من جهة ثانية أن مشاركتي لا أهمية لها، طالما أن هناك من يطبخ النتائج من وراء أبواب مغلقة.
أما اليوم، فإن هناك العديد من الإجراءات التنظيمية المقنعة، والتعهدات الملكية القاطعة، والأجواء الإيجابية غير المسبوقة، وغير ذلك من الدلائل الواعدة بإجراء انتخابات عامة، مراقبة وشفافة، الأمر الذي يسقط الكثير من التحفظات التي كانت تسوّغ إدارة الظهر فيما مضى من زمن، لعملية انتخابية معروفة النتائج سلفاً، وبالتالي غير جديرة بصرف الجهد وبذل الاهتمام.
وعليه، فإن مقاطعة التسجيل تبدو، في ظل هذه المعطيات الجديرة بالثقة، أمرا يتصل بالمناكفات السياسية أكثر من اتصاله بالتخوفات والتحفظات التي لم تعد مشروعة، حتى وإن كانت المقاطعة في حد ذاتها حقاً دستورياً مكفولاً، وكانت جزءاً من العملية الديمقراطية في كل زمان ومكان، الأمر الذي يجعل مقاطعة التسجيل في هذه الحالة اختياراً يبقي صاحبه مرابطاً على الرصيف.
غير أن صديقي الذي سجل للانتخابات وقال إنه لن يذهب على الأرجح إلى صندوق الاقتراع، لم يجد فيما بسطته أمامه من حيثيات حجة كافية لتبرير عزمي على إشهار تسجيلي لهذه الانتخابات.
فزدته بالقول إنني عندما حصلت على بطاقتي الانتخابية، بادر نحو عشرة أشخاص من محيطي الاجتماعي الصغير بالحذو حذوي، اقتناعاً منهم بصحة اختياري، فما المانع من مثل هذا الإشهار إذا كان هناك من جمهور القراء من لديهم، ربما، ثقة بحسن تقديري للأشياء، وفعلوا ما فعلت بعد تمحيص وإمعان نظر؟
على أي حال، ومن غير الدخول في سجال قد لا يتوقف حتى بعد إجراء الانتخابات، وددت أن أكون –كما أنا دائماً- عنصراً إيجابياً متفاعلاً مع منطق الأمور وواقع الحياة، استمع إلى ضميري، أو قل سيدي، بإصغاء شديد، وأتموضع في دائرة الوسط على خط الواقعية والاعتدال، وأراهن على ما يستحق الرهان، بما في ذلك البناء على منطق التغيير التدريجي والمراكمة عليه، عوضاً عن منطق الكل دفعة واحدة أو لا شيء على الإطلاق.
الغد