فتوى نبش القبور
أهي حالة إفلاس تلك التي تمر بها دوائر الفتوى الرسمية في الدول العربية، أم أجرؤ أن أقول إنها مؤامرة تلعب بها السياسة والمال ألعابهما الخبيثة للسيطرة على ما تبقى من الدماغ المسلم بعد نجاح عمليات التهجير والتنكيل والتهبيل والتعويد؟
وأسأل ثانية.. ما هو شكل جلسات "العصف الذهني" الذي يتفتق عن فتاوى وحجج وقرارات حاسمة لقضايا هي أبعد ما تكون عن الاهتمام الشعبي أو النخبوي بكافة صوره ضمن معطيات البورصات السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية.. كيف يجلسون ؟ من يبدأ أولا ؟ هل هناك مسابقة مثلا للقضايا التي يعتقد أنها ستكون الأقوى في إثارة الجدل؟ هل هذا ممكن؟ تلك مصيبة لو صح هذا "الخيال" !!
من وراء كل هذا؟ من المستفيد من زراعة الخوف والشك والتردد في قلوب شباب تاهوا عن الفكرة الأصلية واتبعوا بانسياق غائبي الوعي الاجتهادات التي تفرعت وتمددت وتمكنت من السيطرة على فعل التفكير وأجبرت العقول على الاستسلام للوعي الوحيد المتاح.. وعي الفتوى الصادرة عن الدوائر العليا وغير القابلة للرد أو الطعن!
لن أنجر الى عبارات تجتر العواطف، من شاكلة الأمم التي سبقتنا في البناء والتقدم، مقابل اشغالنا بالحلال والحرام والجائز والمكروه، ضمن قضايا زواج المسيار والأسفار وارضاع الكبير وقراءة سورة ياسين فوق قبر الميت.. لأن هذا الحديث مل من كثرة الحديث!
لكنني وفي غمرة هذا الاختراع العظيم، أدعو ضمائر العلماء والأئمة الى وقف هذا الحوار وكل الحوارات المشابهة والتي صارت تنبش في قبور الميتين لترضي ضمائر أخرى مستفيدة جدا من الجدل العقيم الذي سيلتهي به الناس عن جدل الحريات العامة والأسعار الخانقة والحق في صحة وتعليم كريمين..
وأتمنى على عقول شبابنا والتي لا أشك لحظة بنظافتها وتنورها الذي فرضه عليها سعار عالم الاتصال والتواصل التكنولوجي بعدم الاستجابة لمغريات الفخوخ المنصوبة بجانب عناوين مشعة ومتمكنة ومدروسة جيدا ومرتبطة – وهذا هو الأخطر- بأسماء مؤسسات وأشخاص من المفترض أنهم مرجعية دينية موقرة و منزهة و قادرة على الإجابة على تساؤلات واستفسارات أكثر شرعية، و أهيب للعقل والمنطق والفكر.
و أقترح بابين للحوار مع تلك المحاولات: أولا بأن نجتهد جميعا لرمي الكرة في ملعب دوائر الإفتاء بأن نبادر "نحن" بالسؤال والحوار و الجدال -بالتي هي أحسن طبعا- حول كل القضايا التي نتعرض لها في حياتنا العصرية مثل مشاكل التربية والسكن والعنوسة والهجرة وغيرها.
ثانيا أن نتبع طريقة واحدة في مواجهة الفتاوى والقراءات التي نشك ببراءة نواياها أو بسلامة عاقبتها، وذلك باعتماد أسلوب طالما نفع في حقول مختلفة ومتباينة وهو "قلة الرد رد "!