فتاوى و"ضمان اجتماعي"..!
لدينا ما هو أخطرُ وأسوأ من "دار الإفتاء العام"، المتخصصة في تحريم الموسيقى، ومصافحةِ النساءِ، وتدقيق الحواجب، إلى ذلك من الترفيه والمنوعات الحكومية. وهي على أية حال، لا تضرُّ، ولا تنفعُ، وتندرجُ في إطارِ الكوميديا الشعبية-الرسمية.
الأخطرُ، والأسوأ يكمنُ في فتاوى ديواني "التشريع والرأي" التابع لمجلس الوزراء، و"تفسير القوانين" الذي يكتسبُ أهميةً، ومهابةً قضائية، لأنّ رئيسهُ هو رئيسُ محكمة التمييز، شخصياً واعتبارياً.
كلنا مع هيبةِ القضاء، واحترامه، لكنّ الأمر يتعلّقُ بأموالنا في "الضمان الاجتماعي" وبأمننا الشامل. ولذلك من حقنا أنْ نسألَ عن فتاوى "تحت الطلب". وَمَنْ هم الذين يطلبون العبثَ بمدخراتنا، ويريدونَ كسرَ العمودِ الفقريّ لاقتصادنا، ولمستقبلنا.
هناك صندوق "مستقل" لإدارة استثمارات الضمان الاجتماعي. ونعرفُ جميعاً معنى مفردة "مستقل" في الأدبيات العامة للسلطة الأردنية.
وفقاً، لصحيفة "الغد"، قبل أيام، فقد أفتى ديوان "التشريع والرأي" في 2015 بأنّ لمجلس إدارة الصندوق اتخاذ ما يَشَاءُ من قرارات استثمارية، دون الرجوع إلى مجلس إدارة "الضمان.!!.
ديوان "تفسير القوانين" رفضَ ذلك مطلعَ العام، وعادَ الشهر الماضي بفتوى جديدة مناقضة، تؤيدُ أحقية الصندوق بالتصرّف الاستثماري، بمعزلٍ عن مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، وخذوا ما شئتم من فقه قانونيّ، وضعوا أياديكم على قلوبكم، فثمّة ما يُدبّرُ لمدخرات الأردنيين.
ما معنى ذلك؟
أولاً: التناقضُ في الفتاوى يعني أول ما يعني نزعُ صلاحيات مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، وتحويلها إلى "الصندوق" الاستثماري. وفِي الخلفية هناك مكاسرةٌ بين "نيوليبرال" كاذب ومُريب ومُجرّب، خارج "الضمان"، و"بيروقراط" واقعي وحذر "داخل الضمان"، ولا أقل أنْ نقفَ معه في هذه المرحلة، دفاعاً عن مصالحنا.
ثانياً: موجودات "الضمان" 9 مليارات دينار أردني، باتت عملياً تحت رحمة جهات وتحالفات، تبحثُ عن "حلول" للكارثة الاقتصادية، بعد فشل سياسات رفع الأسعار والضرائب.
ثالثا: إزاء ذلك، فالحديثُ عن رفع التقاعد المبكر إلى سنّ الستين، وإجراء تغييرات جوهرية على قانون "الضمان" ليس شائعات عن "دراسة اكتوارية". إنما هي مقدمات معروفة في عمل العصابات.
رابعاً: دَخَلَ "الضمان" سابقاً في أكثر من استثمار فاشل وخاسر، بسبب إملاءات، لا يُمْكِنُ وصفها إلا بـ"فسادٍ مـبين".
خامساً: عندما يضطر ديوان تفسير القوانين إلى فتوى تنقضُ فتوى سابقة، فعلينا أنْ نتساءل: لماذا؟!.
سادساً: فريقُ الخصخصة الذي باع مقدرات بلادنا، وباعنا معها للمنح والمساعدات والاستجداء هو نفسه الذي يتطلّع حالياً للسيطرة على "مدخراتنا". وهكذا نُلدعُ من الجُحر المسموم نفسه!
أكرِّرُ: "الضمانُ" مؤسسة سيادية، مثلُ "الجيش"، وكلُّ عبثٍ هنا عواقبهُ أخطرُ ممّا يظنّ الذين يدّخرون في "زيوريخ"..