عيد يُنسينا الأكاذيب

عيد يُنسينا الأكاذيب
الرابط المختصر

خطباء يعتلون المنابر للحديث عن التسامح ووحدة الصف، ويصرون على اختتام خطبهم بالدعاء لطائفتهم وفرقتهم الناجية وزعيمهم السياسي الأوحد، فيما ملايين الفقراء يحلمون بجنتهم الموعودة على الأرض، وحياة تعيد إليهم كرامتهم المسلوبة.

يصطف المصلّون بعد صلاة العيد لتقبّل التهاني والتبريكات بـ"عيد" يمنح واقعهم معنى، فأخبار المجاعة في اليمن تمتزج برائحة الدم، والتطرف يستحكم ببلاد الرافدين، وفلسطين تشكو ارتهان أبنائها للعبة المحاور التي أنهكت المنطقة، وشهداء سوريا يصعدون إلى سماء لا تصنفهم طوائف ومذاهب.

لا ينتظر المعيدون سوى مقابر فتحت أبوابها ذلك اليوم، لتحتضن نظراتهم الساهمة إلى ما ذبل من ريحان زرعوه العام الفائت، ومناجاتهم لأحبتهم الراحلين تسكنها أسئلة عن الموتى الحقيقيين والأحياء المفترضين.

شاشات التلفزة تعرض كليبات لأحدث الأغاني "العصرية"، إلى جوار الاقتتال والتفجيرات في عواصم عربية، وأولادٌ يتحلقون حول أب يعانقهم لعلهم يتناسون خيبات أملهم باقتناء ثياب تركها معلقة على فاترينات المحلات.

تبدأ حفلة النفاق برسائل متبادلة بين زعماء يتمنون حياة أفضل لشعوبهم، وعيداً يذيب الخلافات "العابرة" بينهم، والمذيعة لا تزال تتلعثم وتخطئ في اللغة.

"ما يطلبه المشاهدون" انطلق بحلة جديدة، هذا العيد، ورسائل الجمهور توصي بعرض أحدث مسلسلات الذبح بلغات متعددة في "الدولة الإسلامية"، وإزاء الفرجة المتواصلة سيُقلع المعيّدون عن متابعة مسرحيات عادل إمام ودريد لحام، والاكتفاء بمتابعة إعلام داعش الذي تفوّق على إعلام 22 دولة عربية طوال ستة أو سبعة عقود من "الاستقلال".

ينتصف النهار بزيارات الأهل والأصدقاء المنشغلين بنقاشات تبدي انعدام ثقتهم بالدولة ومؤسساتها وقلقهم المتزايد على مستقبلهم؛ مفتتين قبائل متناحرة: عنف سلطات تدعي حماية الأوطان، وعنف ميليشات تتذرع بالدفاع عن الدين، وعنف مجتمعات تنقرض بجهلها.

ويمنحون أنفسهم استراحة لمشاهدة فنانين يتحدثون عن الحرية والانفتاح، بينما تحتكر إنتاجاتهم الفنية محطات تتبع دولاً تعيش عصر الظلمات.

وفي المساء تجني أرباح العيد شركات الاتصالات، وسلاسل المطاعم العالمية، ومتاجر الألبسة ذات الماركات الشهيرة، والفضائيات الدينية والترفيهية، ومكاتب السياحة والسفر، والأنظمة التي تتقن فن الإلهاء.

وسينام أطفال وأمهات وموظفون وعمّال وجنود في ثكناتهم وعاطلون عن العمل ومتسولون وهم يعدّون خسائرهم، وينشدون عيداً يخلصهم من الأكاذيب.

 

  • كاتب وصحافي. محرر "تكوين" في عمان نت.
أضف تعليقك