عندنا..كل شهر قصة

عندنا..كل شهر قصة
الرابط المختصر

يستمتع المسؤولون لدينا باثارة ذعر الناس بوسائل ذكية ، وكل شهر ، يتم تسييل عنوان للذعر تحت اقدام الجماهير.

عند الشتاء يبدأ المسؤولون بالحديث عن منخفض جوي كاسح ، وثلوج سيبلغ ارتفاعها متراً ، وتبدأ الاخبار عن غرف الطوارئ وتوفر مخزون الطحين ، فيدب الذعر ، ويصطف الاردنيون في طوابير الخبز ، وطوابير الكاز والغاز والسولار ، وهكذا يتم محو الذاكرة من كل قضية اخرى ، فالثلج قادم ، والجلوس في البيت افضل ، ونداء من الامن العام للناس بأن لا يخرجوا لا قبل الثلجة ولا بعدها ، ويصير الشعار "فروة لكل مواطن".

يقترب شهر رمضان ، وتعود الينا ذات المعزوفة. اجتماعات سرية وعلنية من اجل رمضان. مسؤول يصّرح ان انواع اللحوم متوفرة. البلدي متوفر وبدائله ايضا. الارز موجود غير ان المصري منه غير موجود. مخزون القطائف فائض ومتوفر. مراقبة الاسعار مستمرة. مستودعات القطاع الخاص تفيض باللحوم والاطعمة ، فيدب الذعر ، وكأن هناك حالة طوارئ او حرب ، فيتم شد انفاس الناس وأعصابهم ، وكأننا ذاهبون الى حرب رمضان المجيدة مجددا.

تترقب العائلات الاردنية نتائج الثانوية ، فتتوالى التصريحات على ذات معزوفة الذعر ودس الطوارئ في البيوت وفي فراش النائمين. التصحيح جار على قدم وساق. النتائج افضل من العام الماضي او اسوأ. النتائج قد تكون السبت او الاحد. مناشدات بعدم اطلاق الرصاص. مخزون الحلوى متوفر ، ومختصون في صنع الكنافة يؤكدون عبر نشرة اخبار باهتة ان "القطر" يغلي والشعب ينتظر ، فيدب الذعر ، وتوقعات بحالات انتحار ، بمشنقة صينية سيئة الصنع.

كسوف للشمس على الطريق. يبدأ الخبراء بالتناسل كخلايا انشطارية. نصائح باغلاق الستائر والنوافذ. عدم الخروج من المنزل. الجلوس تحت غطاء صيفي وانتظار المحنة حتى تمر. اطباء بلا عمل يخرجون لحقننا في الوريد بتصريحات مبالغ فيها حول اضرار النظر الى الشمس. ذات الفكرة. اي دس الطوارئ والذعر في البيوت ، والمبالغة وكأن القيامة قد وقعت ، واخرون يطالبون بيوم اجازة عامة.

يأتي موسم الزيت والزيتون. تبدأ الدوامة. سعر التنكة قد يصل ثمانين ديناراً. هلع يسود الناس. حجز مسبق. كلام حول زيت مغشوش. وكلام حول فوائد الزيت. يصبح الزيت عنوان كل بيت. نريد زيتاً وزيتوناً. كلام حول فوائد الزيت. طبيب فصيح اشترى شهادته من اوروبا الشرقية يصّرح ان الزيت يرفع الدهون في الدم ، ويصير الزيت عنوانا في كل بيت والطوارئ في ذروتها من اجل مؤونة الزيت ، فيدب الذعر ايضا ، ومسؤول يدعو الشعب الى عدم الانزلاق وراء الاشاعات.

يتم رفع سعر الوقود. تخرج ذات النمطية من التصريحات. تطمينات للشعب لكنها تسبب ذعراً وهلعاً. الوقود متوفر. الغاز متوفر. جرة الغاز لن يتم رفعها فهي الثابت الوحيد وسط مئات المتغيرات. رقابة على المحطات. طوابير ايضا على المحطات لتوفير نصف دينار. ومتحدث رسمي يقول ان الغاز المصري يتدفق ، والوقود يصبح عنواناً لكل بيت ، ورجل يستعد لقطع اشجار الجيران من اجل التدفئة ، والاعصاب متوترة ومحروقة.

لكل شهر عندنا قصة ، ولكل شهر يتم ابداع حالة ذعر وطوارئ خاصة به ، عبر اعلام رسمي لا يرحم ، واذا تأملتم شهوركم لوجدتم ان لكل شهر مخاوفه ، من الثلج الى الوقود الى الزيت الى العيد وصولا الى الافراح ونتائج الثانوية العامة والجامعات ، ومخزون رمضان ، الذي لن ينضب ، وهي مخاوف باتت جزءا من ثقافتناً ، وننتظر كل شهر متحدثاً رسمياً ليحنو علينا ، ويطبطب بيده على اكتافنا ، حتى نطمأن ، بأن كل شيء "عال العال".

في مجتمعات اخرى اكبر او اصغر تسير الامور ببساطة اكثر ، وبتلقائية اكثر ، لان كل واحد يعرف واجبه ، ولان كل واحد يعرف ما له وما عليه ، ولان كل واحد يثق بالاخر ايضاً ، سواء اكان الاخر فرداً هنا ام مؤسسة ، اما حكوماتنا فقد ادمنت على فن الاخافة ثم اطلاق التطمينات ، وعلى فقه بث الذعر ثم الحاقها بالتعهدات ، فيما شعبنا يصبح همه فقط ان يمر الشتاء على خير وان يمر رمضان على خير ، الى اخر هذه القصص ، ويصحو على نفسه وقد مر عامه كاملا ، والخوف قد توسد قلبه وفراشه.

ما اصعب ان يقف الشعب على قدم واحدة من شدة الذعر ، دون اي سبب منطقي.