من المعروف أنَّ الأردن يمرّ بظروف اقتصاديّة صعبة. ومن المفهوم أنَّ بعض الشركات تحتاج إلى إعادة تموضع العاملين لديها وفي حالة القدرة على الاستغناء عن البعض لضمان الاستمرار والاستدامة فإنَّ ذلك طبيعي . إنَّ المحاولة لزيادة الأرباح وربما استبدال الموظّفين بالذكاء الاصطناعي قد يكون الأمر الدّارج اليوم، ولكنَّ التّعامل بقلّة احترام وإهانة مع الفئة الأكثر ضعفًا في مجتمعنا فهذا غير مقبول نهائيّاً.
ثلاثة من ممثّلي الشّركة الرّائدة استفردوا بعدد من الموظّفين، عُلِمَ منهم أربعة من ذوي الإعاقة وتمَّ الضغط عليهم لتوقيع الاستقالة على أساس أنَّ الشّركة لن تتردد في دفع كافّة تعويضاتهم وحقوقهم لغاية فترة نهاية العقد المؤقّت الّذي جُبِروا على الحصول عليه سنويّاً بدلاً من العقد الدّائم.
عندما اتصلت زميلتنا منتجة برنامج طلّة صبح مع مسؤول في الشركة المعنية و تحدثت معه حول إقالة 25 موظّف، كان الرّد أنَّ العدد أقل بكثير، وأنَّ سبب الإستغناء عنهم كان بسبب أدائهم السيئ. ولكن بعد الفحص ومراجعة شكوى رسميّة تمَّ تقديمها للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تبيَّن أنَّ عدد من المفصولين قد حصلوا سنويّاً على تقيّيم ممتاز. وقالت لنا إحداهنَّ أنَّها حصلت على مدى خمس سنوات على حافزها السنوي "بونص" تقديراً لعملها
فالحقيقة أنّه لا يوجد حتى مجرّد لفت نظر للموظّفين المفصولين. فلماذا الخداع والإدعاء أنَّ سبب الفصل هو سوء الأداء؟
حسب الشكوى المقدَّمة للمجلس الأعلى فإنَّه في يوم الإثنين 7-10 قام ثلاثة من مسؤولي الشركة باستدعاء خمسة موظفين من قسم خدمة العملاء، دائرة الدعم التجاري كلٌّ على حِدة، عُرِفَ على الأقل أربعة منهم ذوي إعاقة (بالأسماء 3 موظّفات وموظّف
وقد طُلِبَ منهم توقيع الاستقالة لأنَّ الشّركة تنوي تقليص النفقات.
عملية طلب الاستقالة لم تكن مهنيّة بل كانت تحت الإكراه وبدون أيّ توضيح أو تفسير سوى لضرورات إداريّة، أي أنّه حتّى ادّعاء سوء العمل لم يتمّْ طرحه كسبب لإنهاء الخدمات.
يقول خبراء قانونيون أنَّ طريقة التّعامل مع شخص ذوي إعاقة بصريّة أو غيرها يجب أن يتم بتوفّر بعض الشروط الأساسيّة فيها. فمثلاً على الأقل من الضروري أن يتمَّ تصوير شخص يثق به الموظّف لقراءة نصّ الاستقالة، وفي تلك الأحوال حسب الخبراء يفضّل أن يتمَّ ذلك أمام الكاميرا وفي كلّ الأحوال أن يتمَّ توفير نسخة من الاستقالة، وخلافاً لذلك يعتبر التوقيع تحت الإكراه أيّ أنّه غير قانونيّ.
لذلك قد يكون أكبر مخالفة إنسانيّة إن لم تكن قانونيّة هي قيام ثلاثة مسؤولين غير معروفين للموظّفة ذات إعاقة بصريّة بقراءة كتاب الاستقالة دون تسجيل فيديو أو صوت وعدم تقديم حتّى نسخة مما تمَّ قراءته للموظّفة، وبدون قدرتها على التأكّد أوّ معرفة ما وقَّعَتْ عليه، فهل هذا الإجراء أخلاقي لموظّف لا يستطيع القراءة مما يضعه في وضع يعتمد على ما قرأه له الموظّف من الشركة الّتي تريد إنهاء خدماته؟.
ينصّ القانون الأردنيّ على ضرورة أن يتمَّ تعيّين نسبة 4% من قطّاع العاملين من ذوي الإعاقة. فهل تمَّ مراجعة تلك النّسبة عندما تمَّ إجبار على الأقل أربع موظفين ذوي إعاقة من الاستقالة تحت الإكراه وبدون إعطائهم فرصة للتفكير والتشاور مع الأهل والأصدقاء.
إنَّ قيام شّركة الاتصالات هذه و الّتي كان الجميع يمدحها لاستيعابها عدد من ذوي الإعاقة بإجبارهم على الاستقالة دون توفّر الحدّ الأدنى من الظروف المناسبة لوضعهم، يُعتَبَر مخالف للقانون والأخلاقيّات ويجب أن لا يمرّ مرور الكرام.
إنَّ شركة كبيرة ولها تأثير واسع في الأردن وتقوم بتوظيف عدد كبير من الأردنيين ويشار إليها بإيجابيّات مسؤوليتها الإجتماعية، ولكن هل من المعقول أن تضحّي هذه الشّركة الرّائدة بسمعتها فقط من أجل زيادة أرباحها من خلال إنهاء خدمات موظّفين ومنهم ذوي الإعاقة؟ والقول أنّه يتمّ تعويضهم لا يقلِّل من صعوبة وعدم الاهتمام بالوضع الاقتصاديّ الصعب في الأردن.
فماذا يحدث لهؤلاء الموظّفين بعد أن يتمّ نفاذ التعويضات وهل ستوفّر لهم شركتهم شهادة حسن سلوك أم ستصرّ على سوء أدائهم وتنكر تقيّيمهم الممتاز وحصولهم على حافزهم السنوي تقديراً لعملهم المميز؟.
من الضروري على الحكومة وخاصّةً وزارة العمل والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومؤسسات المجتمع المدنيّ المعنيّة بموضوع حقوق العمّال ألّا تسمح لمثل هذا التصرّف أن يمرَّ مرور الكرام حتّى لو كان من شركة كبيرة وهامة.
الكاتب مدير عام شبكة الإعلام المجتمعيّ – راديو البلد وعمان نت