عقوبة الإعدام: خرافة الذبح

عقوبة الإعدام: خرافة الذبح
الرابط المختصر

إذا مات الإرهابي، ينقطع عمله إلا من ثلاثة: حقد الإرهابيين الواعدين (من لم يعدموا بعد)، وفشل السلطة في تصحيح مسارات البشر وهم بيننا، واستمرار أسطورة العين بالعين والسن بالسن التي خلقتها ضغينة التاريخ.

أنا كائنٌ يرفضُ الإعدام، كله، بذاته، تماماً. أرفضُ إنهاء حياة الكائن البشري بوصفه بشراً، ولا أُنكر قتله واغتصابه وإجرامه، لكنني أتأمّل السند البشري "القاتل يُقتل". القاتل "مجرم"، القاتل ليس "ضحية"، القاتل عدو الحياة، غير أن المعادلة مكوّنة من طرفين اثنين "القاتل" و"الضحية" الضحية التي انتهت حياتها بقرار القاتل وهذه جريمة؛ فكّر لها القاتل ونفّذها. و"الضحية" روحٌ تُزهقُ باسم قرار وإرهاب المجرم، أما "نحن" فنحكم على القاتل باسم الضحية وعشيرته وأحبائه (إذا سامحوا يسكت القانون)، وهذا نسميه "عدل"، وفي الحالين، يتوحدُ الموت ويستوي منفذ حكم الاعدام بالقاتل، لأنهما اقتلعا روحين، وهذا في فضاء الروح التي لم يخلقها القاتل -بل أخذها قبل أوآنها- ومثلها روح القاتل التي لا يملكها لكنه وصل بها إلى نهاية قدرها القانون الذي يتوهم تحقيق العدالة بتغييب طرف من أطراف الفعل الإجرامي، تغييب يرحبُ به القاتل -المتطرف فكرياً وسلوكياً- فهو في طريقه إلى الجنة بعد إعدامه في السجن.

لا ترتاحُ الضحية البريئة في قبرها بعد قتل قاتلها، هذه قصة خرافية من ذاكرة الذبح، لأن الضحية غادرت عالمنا (بقرار القاتل) والمجرم بيننا بروحه وجسده. لهذا يصعبُ تحقيق العدل بين روحين (الأولى أُزهقها مجرم والثانية خسرها بريء) لأن مصدر هذه الملكية (ملكية الروح) مصدرٌ إلهيٌّ لا يحكم فيه الانسان، ويزداد التناقضُ في هذا الباب عندما يكون المصدر الإلهي والمصّبُ على هوى كائن إجرامي يقررُ إزهاق الروح فيزهقها.

لا أفهم سر قتل القاتل، هل نثأر وفق الشريعة البشرية القديمة! هل نحلّ المشكلة بتغييب طرفها الثاني كما غاب الطرف الأول؟ من يرتاح بقتل القاتل؟ الجثةُ الهامدة؟ أهل الضحية الذين خسروا الكثير؟ أهل القاتل الذين سيخسرون أيضاً! هيبة القانون الذي يحافظ علينا من تحول الدنيا إلى غابة! وهل فعلاً لا يعيش الأحياء بغابة؟ إذا صحّت عقوبة الإعدام، تعالوا نقتل ملايين العساكر والسجانيين وقاطعي الأرزاق ممّن تسبّبوا بجلطات قلبية لملايين الموتى بسبب شيك لا يجد المدين حساب أو إيجار بيت متأخر.

لماذا لا نصلح منظومة التعليم التي تربّى القاتل عليها! سيقول قائلٌ: "إن البلدان المتطوّرة تشهد قتلًا"، لكن القتل هنا تحت طائلة المتطرفين نفسياً وسلوكياً والمشبعين باختلال الآدمية، والقاتل الإرهابي قليلٌ هناك، كما أن أكثر الدول المتطوّرة حذفت عقوبة الإعدام (الثأر القانوني) من سجلات عدالتها.

 جثة الإرهابي المُمّدد، تشبهُ خطيئة الضعيف.

علي عبيدات: كاتب وباحث أردني

أضف تعليقك