طاحونة «الحرس الجديد» في الاردن

طاحونة «الحرس الجديد» في الاردن
الرابط المختصر

رحم الله جدتي،فقد كان لديها طاحونة حجر يدوية،لطحن القمح،وزنها ثقيل للغاية،ولم تكن تستطيب الخبز،الا من دقيق الطاحونة.

كانت تقول ان النسوة كن يخرجن بطواحين الحجر في ايام انقطاع المطر،وتجلس كل واحدة عند باب بيتها الحجري ايضاً،لتدير الطاحونة بيدها،دون قمح،وكأن الطاحونة تستسقي المطر،وتشكو الى الله الفقر،فتأتي السقيا،بسر الطهر في قلوب بسطاء الناس.

رحلت جدتي،وبقيت الطاحونة،وكلما ارى الطاحونة،اتذكر قصة الحرس القديم في الاردن،والحرس الجديد،ايضاً،فقد تمكنا والحمد لله،من طحن سمعة كل رجالات الحرس القديم،ولم نصنع بالمقابل رجال حرس جددا،وقمنا بطحن المتوفر منهم.

كل الدول تصنع شخصيات،تكون مهمتها خدمة البلد،وفي حالات كثيرة التأثير على مدينة او منطقة،اجتماعياً وعائلياً،وفي الظروف الاستثنائية،تتحول هذه الشخصيات الى «ضامن اجتماعي» يمون على الناس،وُيطفىء الفتن،ويكرس هذا الاتصال للدولة.

لو تأملنا مئات الاسماء،سياسياً واجتماعياً،لوجدنا انه تم تكسيرها،يوماً بعد يوم،فلم يعد احد محترم في عين الناس،ولم يعد هناك انسان له كيان او هيبة في منطقته او مدينته،او في عموم الاردن.

تم تشويه سمعة المئات،وتم حرق سمعة اخرين،وتم سلب القوة المسخرة لصالح الناس،من يد آخرين،وتم تصغير آخرين،فصحونا على فراغ سياسي واجتماعي،وكأننا بلا رموز،ومجرد مجاميع سكانية.

هذه كارثة بحق،نصنع الناس،مثل اصنام التمر في الجاهلية،التي كانت تؤكل،ذات جوع،في ذاك الزمن الاغبر والاسود على حد سواء.

الطاحونة طحنت مئات الاسماء،فالكل فاسد ولص،والكل يتوجب حرقه،وامتدت الطاحونة بغضبها،فطحنت كل الشخصيات السابقة،اخذت النظيف مع الفاسد،الوطني مع غير الوطني،ولم يبق مسؤول سابق،الا وتم تلطيخ سمعته.

طاحونة «الحرس» في الاردن،لا تشبع،فقد دخل الى عتمتها كل الشخصيات التي يفترض ان تكون حرساً جديداً للدولة،فطحنتهم الواحد تلو الاخر،من رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين،والحقتهم بدقيق «الحرس القديم» المنثور في الهواء.

الدول لا تدار فقط بالقوانين والانظمة والتعليمات،وفي بلد عربي ومشرقي ومسلم مثل الاردن،للعامل الاجتماعي،وللاشخاص تأثير كبير على الناس،وحرق طبقة الحرس القديم والحرس الجديد ايضاً،جعل الدولة في موقف حساس.

من شيخ العشيرة والمختار،مروراً بالنائب والعين،والاكاديمي والمتقاعد،والنقابي والسفير،وصولا الى كل وزير ورئيس،ونهاية بكل رئيس بلدية ووجيه ورئيس جامعة،لم نترك احداً الا وحرقناه، لدوافع كثيرة.

بهذا المعنى تسأل نفسك هل هذه سياسة متعمدة،ام ان الناس يأكلون بعضهم البعض،وبهذا المعنى ايضاً خلقنا اعداء في كل مكان،وضحايا وخصوما،يتألمون لما آل اليه حالهم،ويقولون ايضاً لأي جديد قادم على الخط...احذر فالدور سيأتيك قريباً!.

هذا الكلام ليس دفاعاً عن احد،فهناك الفاسد والسيىء،ومن يستحق التكسير والحرق،لكننا نتحدث عن الطاحونة العمياء التي باتت تتلقف كل الاسماء،ومن كل المستويات السياسية والاجتماعية،طاحنة القمح والزوان،ناثرة الكل في الوديان.

يالها من طاحونة جائرة تطحن الاخضر واليابس،فينفض الجميع من حول المؤسسة،تاركين فراغاً كبيراً يتقافز فيه وعبره البدلاء وانصاف الرجال وارباعهم،واصحاب المشاريع والتجار والسماسرة.

النتيجة،تضرر الحبل السري بين الدولة والناس،فلا احد يثق بالاخر هذه الايام،وفراغ مفتوح لكل البدلاء،والدور قادم على البقية،حتى لو ظنوا ان الدور لن يأتيهم.