ضربة على الحافر وضربة على المسمار
تمّ توجيه حزمة كبيرة من النصائح, وحشد كبير من المقالات والتصريحات نحو الرئيس الجديد المكلف, وكل نصيحة وكل مقالة وكل تصريح في هذا المجال لها قيمتها ولها أهميتها, ويعبر عن وجهة نظر موجودة, وتأتي كلّها في سياق النظرة الشاملة للموقف من جميع جوانبه ومن زوايا مختلفة ومتباينة, وكل ما نرجوه أن يتمكن الرئيس المكلف من الإطّلاع على ما كتب وما قيل.
لكن في الجهة المقابلة يحسن أن تكون هناك نصائح ومقالات موجهة للمعارضة وقوى الإصلاح المختلفة, والقوى الشعبية الموجودة في الشارع, والتي تنطلق من رحم المجتمع الحقيقي, وتعبر عن نبض العامّة والأغلبية الصامتة, بحيث يكون هناك توازن في (الدّق) كما يقول المثل الشعبي المعبّر تماماً عن التوازن المطلوب الذي يقول:"ضربة على الحافر, وضربة على المسمار".
كل قوى الإصلاح, وأغلب الحراكات الشعبية اتفقت على شعار "إصلاح النظام", بمعنى آخر لم تذهب القوى السياسية والشعبية باتّجاه تغيير النظام, وإنّما أرادوا معادلة جديدة تصل بالأردن إلى الديمقراطية الحقيقية والدولة المدنية الحديثة, مثل كل الديمقراطيات المعاصرة الموجودة في السويد والنرويج وإسبانيا وماليزيا وغيرها, التي استطاعت أن تقدم نموذجاً عالميّاً متقدماً على مستوى الحريّة والديمقراطية, والحياة الكريمة, والرفاه الاقتصادي والتقدم العلمي, والعدالة والمساواة.
إنّ الاتفاق على شعار (إصلاح النظام) يقتضي بالضرورة عدم استنساخ التجربة الثورية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية, وإنّما البحث عن نموذج مختلف يؤدي إلى النتيجة نفسها من حيث المضمون الديمقراطي, ولكن من دون إبعاد طرف ومن دون استثناء مكوّن ما من مكونات الدولة الأردنية والمجتمع الأردني.
هذا يدعونا بدقة إلى أن نصل مرغمين إلى حالة من التوافق, وليس التنافر والقطيعة والعداء والحرب وانعدام الثقة وزيادة الهوّة بين الأطراف, وليس عن طريق الدمّ والفوضى والشهداء والمستقبل المجهول.
بمزيد من الصراحة, ليس أمام الأطراف جميعاً, إلاّ أن يأتوا إلى طاولة الحوار مجتمعين تحت لواء الإرادة الحقيقية والعزم الأكبر على إجراء الإصلاح, والاتفاق على مضمون الإصلاح الحقيقي بوضوح ومكاشفة وحوار جادّ ومسؤول وصريح, يبسّط الحقائق أمام الشعب الأردني.
إنّ القراءة الصحيحة للمشهد السياسي على الصعيد المحلّي, والإقليمي والعالمي, تقتضي الجرأة والوضوح في لمس عمق التغيير الحتمي المفروض علينا وعلى المنطقة برمّتها, ممّا يجعلنا جميعاً نصل إلى مرحلة العزم المؤكد على الشروع بإجراء التغيير الجذري على منهجية إدارة الدولة, ومنهجية تشكيل الحكومات, وإرساء معالم ثقافة سياسية جديدة مختلفة حول مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة.
الطرف الرسمي هو الأقدر في هذه الظروف على بذل الجهد الأكبر في الأخذ بيد الشعب وقواه السياسية الوطنية النظيفة أن تصل إلى تحقيق البرنامج الإصلاحي المطلوب والمتفق عليه رسميّاً وشعبيّاً, لأنّه يملك جميع الخيوط التنفيذية, ويملك كل مفاصل الدولة.
الوصول إلى توافق على خطوات الإصلاح بطريقة عملية تطبيقية محسوبة وفقاً لبرنامج زمني محدد الأوقات بالأشهر وليس بالسنوات تنتقل فيه الدولة نحو الأفق المطلوب بسلاسة, من دون فراغ أو فوضى; مع التأكيد على حق الجميع بالتظاهر السلمي, والتجمّع الكبير من أجل التعبير عن حريّة الرأي وتوصيل نبض الشارع إلى أصحاب القرار.
العرب اليوم