ضبّو الشناتي

ضبّو الشناتي
الرابط المختصر

على غفلة من الوقت، تابعتُ المسلسل السوري "ضبّو الشناتي" بحلقاته الثلاثين في رمضان، وعيناي تتنقل بين الكوارث المحيطة بنا، وبين السؤال عن دوْري المفترض - بوصفي مواطناً عربياً أحيا على هذه البقعة- للإقرار الكامل بالهزيمة، والرحيل عنها إن كان ممكناً.

لم ألتفت إلى تسلسل الأحداث في العمل (تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو)، ولا إلى نهايته المفجعة، إذ بدا متوقعاً لكثيرين أن عائلة "أبو عادل" التي عانت في سبيل خلاصها من جحيم الحرب ستموت غرقاً في عرض البحر.

الواقع الأسود والأليم كما هو، من دون أقنعة وإدعاءات، بل أصرّ صنّاع المسلسل على استمرار التخوين والاتهامات لغة متبادلة بين الإخوة؛ معارضين وموالين، وتحميل كل منهم الآخر مسؤولية الدم والخراب رغم تقاسمهم المصير الواحد وذهابهم سوية إلى حتفهم القريب.

لم يستطع الأشقاء إقامة حوار فيما بينهم، ولم تؤلّف بين قلوبهم انقطاع الكهرباء والماء وفقدان الخبز والطعام، ولا غزو جماعة تكفيرية متشددة على بيتهم وبطشها بهم جميعاً، ثم إخراجهم على يد الجيش السوري الذي شكّل عبئاً عليهم أيضاً.

وبسبب حصار الحارة تأخرّ سفر الأُسرة أياماً وأسابيع لم تأت إلاّ بمزيد من التوتر وشدّ الأعصاب، وبقيت الأطراف على انحيازاتها السياسية التي تُلغي الآخر بالضرورة، والأسوأ من ذلك كلّه أنهم تعلّقوا أكثر بتخلفهم الاجتماعي، وفرَض الأخوة المتحاربون زواجاً بالإكراه على شقيقتهم!

وزاد في الوقت نفسه الجشع والطمع والأحقاد بين أهل الحارة، فاستغل التجار الأزمة، كما سرق الجيران منازل جيرانهم، وباعوا مقتنياتها في "سوق الحرامية"، الذي ازدهر في هذه الأيام.

ولم يمنحهم الخوف سوى لحظات عابرة من التضامن المتوهم، الذي يعني بالنسبة لهم بيع ممتلكاتهم المشتركة والذهاب نحو المجهول، بعد أن أيقنوا أنهم فشلوا في تأسيس مجتمع يقوم على الثقة واحترام اختلافاتهم.

وكانت المفارقة حين اكتشف أبو عادل أنه عاش مع زوجته أربعة عقود من غير الحب، وأفنى عمره بلا معنى، ولما ذاق ما افتقده سنيناً تحوّل فجأة إلى طفلٍ صغيرٍ نابض بالحياة.

نسيت أم عادل الحنفية مفتوحة في لحظة أملت فيها أن تعود الماء، ليستحموا بها بعد طول انقطاع، لكنها سافرت تاركة البيت يغرق بما تبقى من أثاثه، وكذلك كانت نهاية رحلة هروب العائلة، فمات أفرادها جميعاً غرقاً إلاّ حفيدتهم الرضيعة التي نجت باسمها "سيرينا"؛ الذي يحمل في أحد معانيه صفارة أو جرس الإنذار.

هزيمة كاملة من حولنا، وجميعنا ضبّ الشناتي، لكن لا أحد منا يعلم موعد الرحيل!

كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.