شكل مكافحة الفساد ومضمونها !
الشكل هو التجسيد المباشر والحقيقي للمضمون، كما ذهب الفيلسوف ميشيل فوكو في القول ان الشكل هو السطح العميق للجوهر.
فوجود جدار متشقق من اسفله الى اعلاه يشير الى مضمون ان هذا الجدار في طريقه الى الانهيار، لكن هذا الجدل الفلسفي ومعه افكار الفلاسفة والمفكرين الذي نظروا للشكل والمضمون في القرون السالفة يبدو غائبا عن الحالة العربية في التعامل مع الافكار والمفاهيم والظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
بعيدا عن الفلسفة، ثمة شكل في بلادنا مفاده ان هنالك جهات تسعى لمكافحة الفساد، فلقد أسست مديرية لمكافحة الفساد في دائرة المخابرات قبل 14 عاما، وأقر البرلمان المنحل في عام 2006 قانون هيئة مكافحة الفساد وبعده بعام قوانين مكافحة غسل الاموال وحق الحصول على المعلومة واشهار الذمة المالية، وتبع ذلك قانون ديوان المظالم واستكمال اصدار مدونات السلوك الوظيفي للوزراء وموظفي القطاع العام.
ولا يكاد يخلو خطاب رسمي من اشارة الى محاربة الفساد وصيانة العدالة والحاكمية، لكن هذا الشكل كله لم يرتبط ارتباطا عضويا بالمضمون وهو ما يمكن تعميمه ليشمل المشهد العربي كله.
جاء في كلمة الوزير المفوض في جامعة الدول العربية عبدالله الكيلاني خلال مؤتمر شراكة اقليمية من اجل مكافحة الفساد الاسبوع الماضي في عمان ان جميع الدول العربية ترحب وتدعم كل ما من شأنه المساهمة في تطبيق الاتفاقيات العربية والصكوك الدولية بشكل عام ومكافحة الفساد بشكل خاص، ولكن هذه العبارة وذاك الشكل لا يتساوق مع الواقع الحقيقي للفساد في المنطقة العربية فثمة غياب للشرعية وتهرب من استحقاقات النزاهة وعدم انضمام الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي تضم 148 دولة.
واهم من ذلك، هنالك فساد ممنهج تقابله ادوات رقابة ضعيفة وغير مستقلة ولا يرتقي دورها الى الرقابة الفعلية فهي في معظمها دعائية من اجل ان يقال ان الدولة الفلانية تحارب الفساد، ولا يوجد من يحارب ولا ما يحزنون.
الاقتصاد وجيب المواطن وحاله المعيشية اكبر الخاسرين في ماراثون الفساد، فحجم الرشاوى التي تدفع سنويا على مستوى العالم يقارب الف بليون دولار.
وتؤكد دراسات البنك الاسيوي للتنمية ان كلفة الفساد تصيب نحو 17 % من النواتج الاجمالية للدول، والامر اكثر سوءا في المحيط العربي حيث يأتي الفساد على ثلث الاقتصادات ومرشح خلال اعوام لحصد نصف الاقتصاد العربي.
محليا، يجري الحديث حاليا عن ملف مؤسسة تنمية الموارد الوطنية موارد وما حدث فيها من شبهات فساد وضياع قرض دولي بعشرات الملايين من الدولارات علاوة على وجود عطاءات وعمولات بعشرات الملايين وتوسع خارجي انطوى على فساد، فيما كانت ادارة الشركة السابقة تتحرك بمنأى عن الرقابة او المحاسبة فلديها سلطة مطلقة، واستطاعت ذات الادارة وفقا لتسريبات تعيين عشرات الموظفين لصالح اقارب ومعارف نواب في البرلمان، كان من المفروض أن يراقبوا تلك الشركة وكل الشركات والمؤسسات، وتمكنت الشركة بموجب ذلك من تجنب اي ازعاج او مساءلة، حتى تعثر قرضها ودفعت اولى مستحقاته الحكومة وتم تحويل ملفها برمته الى هيئة مكافحة الفساد.
خلاصة هذا الدرس القاسي، ان المضمون كان غائبا، فمن يراقب يبحث عن وظيفة لابنة اخيه، فتضيع الرقابة وتضيع معها اموال الخزينة التي تكبدت دفع مستحقات القرض المتعثر الذي اقترضته الشركة الحكومية، وبدل ان نحتفل بانجاز الشركة بانتهاء اكبر مشروع لتطوير وسط العاصمة في العبدلي، تترقب العيون نتائج تحقيق هيئة مكافحة الفساد.
احلم بأن تنشر النتائج المرتقبة اسماء النواب والمسؤولين الذين عينوا ابناءهم واقاربهم في هذه الشركة حتى يقترب شكل مكافحة الفساد لدينا من المضمون.
span style=color: #ff0000;الغد/span