شبكة العنكبوت: هشاشة القوة في قلب الدب الروسي

الرابط المختصر

مقدمة: كيف نُفّذت “شبكة العنكبوت”؟

 

في فجر يوم 1 يونيو 2025، استيقظت موسكو على وقع واحدة من أكثر العمليات تعقيدًا وإرباكًا في عمق أراضيها منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. عملية “شبكة العنكبوت” (Spiderweb) لم تكن ضربة عسكرية تقليدية تُنفّذ من جبهات القتال، بل عملية استخباراتية مركّبة بدأت من داخل الأراضي الروسية، حيث تم تهريب طائرات مسيّرة صغيرة الحجم إلى العمق الروسي عبر قنوات سرّية وشبكات دعم محلية.

 

وبحسب مصادر غربية، نُقلت المسيّرات عبر شاحنات مدنية، ثم أُطلقت من مواقع داخلية نحو أهداف استراتيجية، شملت قواعد جوية رئيسية في ساراتوف، أورينبورغ، وبريانسك. الهجوم استهدف طائرات ذات أهمية قصوى، مثل القاذفات الاستراتيجية Tu-95 وTu-22M3 وطائرات الإنذار المبكر A-50، ما ألحق خسائر فادحة بمنظومة الردع الروسية.

 

نجاح العملية لم يكن فقط في تدمير الأهداف، بل في اختراق المنظومة الأمنية الروسية دون إنذار مسبق، وتنفيذ هجوم منسّق متعدد المحاور من الداخل، في سابقة تُشير إلى تحوّل عميق في طبيعة الصراع.

 

التحليل الاستخباراتي للعملية

 

عملية “شبكة العنكبوت” تعكس مستوى عاليًا من الاختراق الاستخباراتي والتخطيط متعدد الطبقات، ما يشير إلى أن أوكرانيا، بدعم غربي، باتت تعتمد على تفوق تقني ومعلوماتي أكثر من القوة الصلبة.

 

أبرز المؤشرات:

 

  1. وجود شبكات ميدانية داخل روسيا تهريب المسيّرات وتشغيلها محليًا يتطلب تنسيقًا مع خلايا نائمة أو متعاونين داخليين يمتلكون معرفة دقيقة بالبنية التحتية ونقاط الضعف الأمنية.

    1. خرق استخباراتي عميق إصابة أهداف عالية الحساسية بدقة يُشير إلى رصد دقيق أو اختراق مباشر لنظم القيادة العسكرية الروسية، مع ترجيحات باستخدام بيانات أقمار صناعية غربية.

    2. تكتيك “نقطة الإطلاق الداخلية” أُطلقت المسيّرات من مسافات قريبة من الأهداف، ما سمح بتجاوز الدفاعات الجوية القصيرة المدى، وهي استراتيجية تدل على وعي تكتيكي متقدم.

    3. التشويش المعلوماتي والتضليل هناك مؤشرات على استخدام وسائل حرب إلكترونية لإرباك أنظمة الكشف الروسية أو تضليلها، وهو تكتيك معروف لدى أجهزة الناتو.

    4. قاذفات Tu-95 وTu-22M3، التي تُستخدم لإطلاق صواريخ كروز.

    5. طائرات الإنذار المبكر A-50، والتي تُعدّ “عيون” الدفاع الجوي الروسي.

 

تحليل استراتيجي معمّق: عملية “شبكة العنكبوت” وتداعياتها الجيوسياسية

 

 أولاً: البُعد العسكري –ضربة للردع الاستراتيجي الروسي - الهيبة العسكرية الروسية في خطر

 

عملية “شبكة العنكبوت”، التي استهدفت قواعد جوية استراتيجية مثل إينغيلز وأوختوبرسكي ودمّرت عشرات الطائرات العسكرية الروسية، ضربت عمق الردع الجوي-النووي الذي تعتمد عليه موسكو، خاصة:

 

 التأثير: هذه الخسائر تخلق فجوة حرجة في قدرات روسيا على تنفيذ ضربات جوية بعيدة المدى أو مراقبة سماء المعركة، مما يضعف قدرتها على السيطرة الجوية ويمنح أوكرانيا مجالًا للمناورة.

 

 ثانيًا: الانكشاف الأمني الروسي– تهديد منالداخل لا منالحدود

 

اللافت أن الهجوم لم يُنفَّذ من خارج الحدود، بل تم إطلاق الطائرات المسيّرة من داخل الأراضي الروسية نفسها، عبر خلايا نائمة أو وحدات أوكرانية متخفية تعمل من الداخل.

 

هذاالنمط من الهجمات يضرب في صميم مفهوم السيادة والسيطرة الداخلية، ويعيد طرح السؤال:

هل ما زالت موسكو تُمسك فعليًا بكل خيوط السيطرة على أراضيها الشاسعة؟

 

 تشابهتاريخي: هذا النمط من الانكشاف يُذكّرنا بما حدث في أواخر الاتحاد السوفيتي حين بدأت تتفكك “الهالة الأمنية” حول الأجهزة المركزية، رغم استمرار الخطاب المتشدد.

 

 ثالثًا: التأثير الاقتصادي والنفسي - المعنويات على المحك

 

الجيش الروسي يواجه شكوكًا متزايدة داخليًا، والشعب أمام واقع لم يعد الإعلام قادرًا على تغطيته بالكامل.

 

  1. الكلفة الاقتصادية المباشرة لتدمير هذا العدد من الطائرات تُقدّر بمليارات الدولارات.

    1. الضرر الأكبر هو المعنوي والسيكولوجي:

      • داخل الجيش الروسي: اهتزاز الثقة بالقيادة المركزية.

      • داخل المجتمع: تصاعد تساؤلات حول كفاءة الدولة في حمايتهم.

      • في الغرب: تعزيز صورة روسيا كقوة عسكرية تتآكل، ما يدفع إلى مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا.

 

رابعًا: التأثير على ميزانالردع الإقليمي 

  1. الدعم الغربي يتعزز :نجاح العملية قد يُسرّع من تدفقات الدعم إلى كييف، ويُقنع المترددين بأن أوكرانيا قادرة على تغيير قواعد اللعبة.

    1. هذا النوع من العمليات يكسر مفهوم “العمق الآمن” داخل روسيا.

    2. دول كـ بولندا، فنلندا، ليتوانيا سترى في العملية دليلاً على أن روسيا أضعف مما تبدو، ما قد يدفعها نحو تعزيز مواقعها في الناتو، والمطالبة بخطط هجومية وقائية بدل الاكتفاء بالدفاع.

 

 

خامسًا: هل تُقرّب هذهالعملية فرص التفاوض؟ جمود أو تصعيد

الاحتمال الأقرب هو “الجمود المرن”:

 

  1. روسيا لن تتفاوض الآن، لكنها تُستنزف. وأوكرانيا لن تتنازل بسهولة، لكنها لا تستطيع الحسم الكامل. النتيجة المرجحة: جمود متوتر، أو تصعيد متقطع، قد يُمهد في المستقبل لمسار تفاوضي بشروط مختلفة.

    1. روسيا ستواصل القتال للحفاظ على ماء الوجه، لكنها أصبحت أكثر انكشافًا وعُرضة للضغوط الداخلية.

    2. أوكرانيا قد تشعر أن لديها الآن أوراق قوة، ما يجعلها أقل ميلاً لتقديم تنازلات.

    3.  

    4. لكن في العمق، كلما تعمق استنزاف روسيا عسكريًا واقتصاديًا، زاد احتمال قبولها لاحقًا بتسويات غير تقليدية، خاصة إن بدأ الحلفاء مثل الصين وتركيا يدفعون نحو مسار تفاوضي لحماية مصالحهم.

 

 الخلاصةالاستراتيجية:

عملية “شبكة العنكبوت” ليست مجرد نجاح تكتيكي، بل قد تكون نقطة تحوّل في فهم طبيعة الصراع، حيث:

  1. لم تعد الحرب تقليدية جغرافية، بل حرب استخبارات وشبكات وتكنولوجيا.

    1. لم تعد روسيا تمسك زمام المبادرة، بل أصبحت تردّ بعد فوات الأوان.

    2. بدأت الحرب تُعرّي النظام من الداخل، ما يُمهّد إما لموجة تصعيد قاسية أو تفاوض اضطراري

 

 

رد الفعل الروسي والدروس المستخلصة

 

أولًا: رد الفعل الرسمي والإعلامي ( لتاريخ كتابة المقال)

 

  1. البيان الرسمي الروسي اقتصر على وصف العملية بأنها “عدوان إرهابي بالمسيّرات”، من دون الكشف عن حجم الخسائر. 

    1. الإعلام الحكومي حاول التقليل من تأثير الضربة، فيما بدأ بعض الإعلام القومي الروسي يُلمّح لوجود ثغرات أمنية فادحة.

    2. هذا الانقسام يعكس ارتباكًا في مؤسسات الدولة حول كيفية احتواء وقع الهجوم دون الإقرار بعُمق الأزمة.

 

ثانيًا: الدروس المستخلصة

  1. نهاية “العمق الآمن”: لم تعد الجغرافيا تحمي، والهجمات يمكن أن تأتي من الداخل في أي لحظة.

    1. تآكل الردع التقليدي: قدرة أوكرانيا على استهداف العمق الروسي تُضعف مكانة روسيا كقوة كبرى.

    2. الحرب أصبحت شبكية/هجينة: بين التقنية، الاستخبارات، والعمل الخفي.

    3. ضعف الأنظمة الأمنية المركزية: اعتماد موسكو على جهاز أمني مغلق يبطئ من قدرة الاستجابة وتصحيح المسار.

    4. فقدان السيطرة على المجال الجوي الداخلي.

    5. ارتباك منظومة الردع التقليدية.

    6. اهتزاز صورة الدولة المركزية الحصينة.

    7. تصاعد الشكوك داخل النخبة العسكرية والسياسية.

 

هل تُسفر هذه العملية عن سقوط بوتين؟

 

رغم أن العملية شكّلت ضربة نوعية للنظام، فإنها لا ترجّح وحدها سقوط بوتين، لكنها تضعف رمزيته وتُراكم التحديات أمامه:

 

كل هذه العوامل، إن ترافقت مع ضغوط اقتصادية أو اضطرابات اجتماعية، قد تُمهّد في الأجل المتوسط لتآكل شرعية النظام، وإن لم تُسفر عن سقوط مباشر.

 

 

“شبكة العنكبوت”: هشاشة القوة تحت المجهر

 

ما كشفته عملية “شبكة العنكبوت” يتجاوز حدود معركة تكتيكية أو ضربة مسيّرات، بل يُسلّط الضوء على هشاشة القوة حين تعتمد على الردع لا الإصلاح، وعلى القمع لا الكفاءة.

 

النظام الروسي، الذي رسم لنفسه صورة “الدب القوي الذي لا يُخترق”، بات في مرمى عمليات دقيقة، خفيّة، قادمة من الداخل لا من العدو التقليدي. وهذه ليست نهاية الحرب، بل بداية لنوع جديد من الحروب، حيث المعركة لا تُحسم في الخنادق، بل في البيانات والخرائط والشبكات العصبية للجيوش والأمن.

 

 

“شبكة العنكبوت”… هشاشة القوة الصلبة في الأنظمة الشمولية

 

عملية “شبكة العنكبوت” (Spiderweb)، التي كشفت عن اختراق واسع للدوائر الأمنية والاستخباراتية الروسية، قدّمت مؤشرًا خطيرًا على أن ما يُعرف بـ”الدب الروسي” لم يعد ذاك الكيان المتماسك الذي اعتاد أن يُخيف خصومه، بل بات يعاني من شيخوخة استخباراتية وتآكل داخلي يصعب إنكاره.

 

ورغم القبضة الأمنية التي تحكم بها موسكو مفاصل الدولة والمجتمع، إلا أن العملية أثبتت أن الأنظمة الشمولية ليست محصنة ضد الانكشاف، بل ربما أكثر عرضة له من غيرها بسبب طبيعتها المغلقة والمركزية المفرطة.

 

أمثلةمشابهة للهشاشة فيأنظمة شمولية:

 

  • إيران:

    1. اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده (2020) في قلب إيران، بعملية دقيقة وبتقنيات متقدمة.

    2. تفجيرات متكررة في منشآت نووية مثل نطنز.

    3. تسريبات موثّقة من داخل مراكز صنع القرار.

رغم تشدد جهاز الحرس الثوري الإيراني، تعرضت طهران خلال السنوات الأخيرة لعدد من الاختراقات الأمنية الكبرى، منها:

 

هذه الحوادث تدل على أن النظام الأمني الإيراني، رغم صلابته الظاهرة، يواجه تصدعات داخلية واختراقات خارجية ممنهجة.

 

  • كوريا الشمالية

    1. الاعتماد شبه الكامل على الرقابة والخوف بدل المؤسسات.

    2. تفشي الفساد الداخلي في الجيش والحزب، كما تشير تقارير من منشقين ومراكز بحث كـ CSIS.

    3. استخدام الموارد لصالح التسلّح النووي على حساب الاقتصاد، مما يخلق مجتمعًا هشًا قابلاً للانهيار عند أول خرق حقيقي.

 

نظام بيونغ يانغ يبدو منيعًا من الخارج، لكن الواقع يعكس ضعفًا في جوانب عديدة:

 

القبضة الحديدية لا تعني القوة الحقيقية.

الأنظمة الشمولية التي تبني استقرارها على القمع والمراقبة بدل الشرعية الشعبية والمؤسسات، تبدو منيعة فقط إلى أن تُختَرق.  وعملية “شبكة العنكبوت” قد لا تكون سوى البداية في عصر تفكك البنى الاستبدادية من الداخل.

 

هل تشجّع عملية “شبكة العنكبوت” إسرائيل على ضرب إيران؟

 

  1. ثغرات الدفاع الروسي تُذكّر إسرائيل بأن حتى الأنظمة الشمولية التي تمتلك قوة نارية ضخمة يمكن اختراقها بأساليب استخباراتية وهجينة.

    1. إسرائيل قد ترى في هذه العملية نموذجًا عمليًا يُحتذى لاستهداف عمق نظام يشبه إيران من حيث:

    2. التركيبة الأمنية المركزية.

    3. الاعتماد على “الردع الرمزي”.

    4. هشاشة العمق أمام عمليات دقيقة.

    5. من عمليات اغتيال علماء نوويين (مثل فخري زاده).

    6. إلى تفجيرات داخل منشآت نووية (نطنز).

    7. إلى اختراقات سايبر متعددة.

    8. غير معلن عنها غالبًا.

    9. صامتة ولا تؤدي إلى تصعيد مباشر.

 

إسرائيل تنفّذ بالفعل هجمات “شبكة عنكبوتية” في إيران:

 

 

ما يختلف هو أن هذه العمليات:

 

لكن… ضرب إيران ليس كضرب روسيا: و يمكن توجيه ضربة جوية محدودة لمواقع نووية

مع عمليات استخباراتية وتخريب داخلي مستمر (خاصة إذا فشلت المفاوضات النووية)