"ساعة محبة" تحجب العقل

"ساعة محبة" تحجب العقل
الرابط المختصر

يخالف أحد الدعاة ضمن برنامجه الأسبوعي على فضائية أردنية أبسط بديهيات العلم بقوله إن معدل سقوط الأمطار ثابت سنوياً، لكن الملاك ميكائيل يوزعها على البلاد بطريقة متباينة من عام إلى آخر.

مخالفة للعلم والمعرفة منذ أن رعت أجهزة استخبارات عربية، في سبعينيات القرن الماضي، استثماراً جديداً لم نعهده من قبل، فازدهرت الصفحات الدينية ثم برامج إذاعية وتلفزيونية متخصصة تستضيف رجال دين حقق بعضهم شهرة وأرباحاً طائلة، وبالطبع لن يغفل باحثون العلاقة العضوية بين الأمن و"بزنس" الإعلام الدعوي المتنامي.

يعتمد نجاح الدعاة على قاعدة ذهبية يرددها جميعهم، ومنهم زيد المصري، في برنامجه "ساعة محبة" على شاشة "رؤيا"، بزعمه أن "العلم الشرعي" لا يتأتى لشخص عبر القراءة والاطلاع، إنما يحتاج المرء إلى التلقي؛ أي بمعنى أدق الاستماع إلى هؤلاء الشيوخ حتى لا تبور تجارتهم، بالرغم أن الإسلام نادى بعدم وجودهم أساساً بأنّ لا احتكار للنص وتأويله.

لا نعلم مواصفات العلماء الشرعيين الذين يعترف بهم صاحبنا، وإن أشار إلى المعرفة باللغة العربية بوصفها شرطاً أساسياً، غير أن المتابع لمن يسمون "علماء" سرعان ما تكتشف أخطاءهم اللغوية الفادحة -ولو تحدثوا بـعربية فصيحة "مقعرة"- وافتقادهم لمناهج الفلسفة والمنطق في المحاججة والدفاع عن أفكارهم، إلى جوار جهلهم بالعلوم على اختلاف حقولها، ناهيك عن سقوط كثير منهم أخلاقياً.

سوف يهب كثيرون للتفريق بين العالم وبين رجل الدين كون الأول من يحق له الإفتاء والتبليغ، وأن الثاني لا يعترف به الإسلام، لكن ذلك لن يضيف شيئاً إلى الواقع الذي تفرض السلطة فيه علماءها بالنظر إلى قربهم منها، أو تقرره الأيديولوجيا، إذ لا يُعترف بـأغلب "علماء السنة" لدى الشيعة، أو "علماء" الأشاعرة عند السلفية... الخ.

وللأسف لن تجد أحداً يُنكر إضاعة وقت المشاهدين والتحايل عليهم باسم الدين، إنما سيخرج عليك البعض معترضاً على زيد المصري -على سبيل المثال- لأنه ينتمي إلى فرقة "الأحباش"، وبذلك نتثبت بالملموس أن "العلم الشرعي" يتحدد حسب الانتماء المذهبي.

لست بوارد الاصطفاف مثلما تفعل السلطة التي تقرّب الأحباش أو جزءاً من السلفيين بمواجهة "الإخوان"، وفق أجندة سياسية، أو كما يفعل متعصبون لمذهب أو جماعة، لكني أعترض على كل ما يستخف بعقلي وبعقول مشاهدين آخرين يصعب استفزازهم وفق أهواء أنظمة عربية أو شيوخ يستغلون مشاعرنا لأن كاتباً شتم الإسلام والمسلمين أو صحيفة أساءت إليهم.

نعود إلى "ساعة محبة" لنناقش فكرةً يتهرب منها كثيرون، فكل ما يحتويه البرنامج حول أوصاف الملائكة مقتبس من التوراة، التي بدورها نسخت أشكالهم بالاستناد إلى أساطير فرعونية وإغريقية لعدد من الآلهة وأنصاف الآلهة، ولا ذكْر لها في علْم أرضي ولا حتى في القرآن.

حسابات وأوصاف غريبة يسترسل المقدم في الحديث عنها، لكن يبدو الأمر مضحكاً حين يؤكد أن السماء مزدحمة بالملائكة وأجنحتها، وهذا دليل على أن الله لا يسكنها نتيجة هذا الازدحام!

هزيمة العقل أقسى الهزائم وأبشعها، فإذا كان هناك جمعية لتحفيظ القرآن في كل حيِّ وقرية ومخيم، ونصف أبنائنا يدرسون في مدارس إسلامية، ولدينا ألف ساعة محبة على 200 فضائية دينية، فلماذا الادعاء بأن جميع أزماتنا سببها الابتعاد عن الإسلام، بينما "حرّاس" الدين أقرب إلينا من حبل الوريد.

 

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.