سؤال أخلاقي
ما يحدث في سورية ليس أمراً ثانوياً أو هامشياً لدى الأردنيين، بل يقع في قلب اهتمامهم اليومي؛ ليس فقط على صعيد التأثير الاقتصادي والسياسي، ولا على مستوى الاستقطاب لدى النخب في تفسير ما يجري هناك، بل ما هو أهم من ذلك كلّه الشقّ الإنساني، فهو الأساس الذي ينبني عليه الحكم الأخلاقي قبل السياسي.
إلاّ أنّ ما نلاحظه في السجالات المحلية الأخيرة تجاه سورية هو أنّها خرجت كثيراً عن البؤرة الحقيقية والمهمة للحدث، وتتعلّق بما يحدث لملايين السوريين اليوم من انتهاكات وإيذاء وقصف وقتل وتدمير وتجويع.. إلخ.
إذ أصبح النقاش يدور فيما إذا كان ما يدور هنالك مؤامرة أم حرب تحرير شعبية، وفيما إذا كان النظام أم الثورة هو من يخدم أهداف إسرائيل، وحول التدخل الخارجي ومشروعيته والموقف منه، فيما السؤال الجوهري عن الإنسان السوري وحقوقه وإنسانيته وكرامته، يكاد يكون مغيّباًّ!بعيداً عمّا آلت إليه الأمور من عسكرة الثورة ردّاً على دموية النظام المفرطة تجاه مطالب الناس المحقّة في الحرية والديمقراطية والكرامة، فإن هنالك بالضرورة مصالح دولية متقاطعة في سورية، سواء مع النظام أم مع الثورة، وهنالك بالضرورة مؤامرة تتجاوز النظام إلى البلاد ووحدتها وقوتها وموقفها.
لكنّ ما بدأت به الثورة واستمرت عليه أشهراً طويلة من الكفاح السلمي والنضال الحقّ المطالب بالحقوق السياسية والإنسانية –قبل ذلك- هي الفرصة التي ضيّعها النظام، عندما راهن على الحل الأمني وزرع الخوف في أرجاء البلاد، وتخيير الناس ما بين تحقيق مطالبهم السياسية والإنسانية وكرامتهم، وبين انتهاك حقهم في الحياة نفسها، بل وأعراضهم واستباحة دمائهم!موقفنا نحن، الأردنيين والعرب، لا يؤثّر واقعياً في تطور الأمور في أرض المعركة، وإن كان من الزوايا الرمزية والمعنوية مهما جدا؛ إلاّ أن تعريف هذا الموقف يكتسب درجة أكبر من الأهمية على صعيد الثقافة السياسية العربية والقيم التي تحكمها، ليس على صعيد سورية، بل حتى على صعيد ترسيم الموقف من أيّ حدث يرتبط بهذه القضايا المركزية في وجودنا ومستقبلنا.
ما يحدث في سورية يعيدنا إلى مربع الأسئلة الثقافية الأساسية، لنجيب عنها، ونجعلها هي المظلّة التي تحدّد وترسّم موقفنا من الأحداث. وهنا نضع سؤالين بين يدي النخب العربية ونطالب أن نعود إليها مرّة أخرى لإعادة تقييم المواقف والقيم.السؤال الأول: هل تجوز مقايضة حقّ الإنسان في الحياة والكرامة والحرية والديمقراطية بأيّ قضية أخرى، مثل إسرائيل أو الممانعة أو الأمن القومي؟ إذا كان الجواب: نعم، فنحن نعبّد الطريق عريضة وواسعة أمام الدكتاتورية العربية، والحكام المستبدين، ونستمر في منحهم الشرعية!السؤال الثاني: هل من حق الشعب الذي خرج مطالباً بحريته، فواجهته الدبابات والاعتقالات وانتهكت كرامة أبنائه وأعراضهم، أن يدافع عن نفسه، حتى لو كان المعتدي "جيشه الوطني"؟برسم الإجابة عن هذين السؤالين يمكن تحديد الموقف مما يحدث في سورية؛ فلا يوجد للإنسان شيء يخسره أكبر من دمه وحريته وكرامته وعرضه.
وعند الإقرار بذلك، فلتختلف النخب في تقرير موقفها من المعارضة والنظام، ومن التدخل الخارجي، لكن بعد أن تحدّد بوضوح موقفها من السؤالين السابقين، بوصفهما القضية المركزية والعليا.أمّا إذا كان الاختلاف هو في الجواب عن هذين السؤالين، فإنّنا أمام مشكلة أكبر مما يحدث في سورية، وترتبط بالسؤال الأخلاقي والقيمي!
الغد