زخة مطر

زخة مطر
الرابط المختصر

مع زخة المطر الاولى انقلبت وجوه الناس ، ومع زخة المطر الاولى لا تسمع من الناس الا تذمراً ، وُمّر الكلام من الشتاء الذي لم يُقبًل بعد.

اجدادنا وجداتنا ، كانوا على فقرهم ينتظرون الشتاء بصبر بالغ ، لانه يسقي ارضهم ، ويُموّن بئرهم بالماء من اجل العيش طوال الصيف ، وتلك البيوت البسيطة كانت تحتمل الشتاء والماء والثلج ، لان قلوب من فيها بيضاء وبسيطة ، وطيبة ايضاً.

هذه الايام ، كلما مال الجو للبرد ، واقترب الشتاء ، يرفع الناس وجوههم في وجه الله ، ويبدأون بالتذمر كراهية في الشتاء والمطر والثلج ، والحجج تقول: كلفة الوقود مرتفعة ، والثلج يعطل حياة الناس ، والمطر يضايق الناس في حلهم وترحالهم.

يزيد التذمر كل عام في وجه النعمة ، فيقل المطر ، عنا وعن غيرنا ، حتى باتت شربة الماء نادرة ، ولا يجدها المرء الا في عبوة ثقيلة الظل.

كلما قل بياض القلوب ، هرب المطر والثلج ، وكلما زادت الضغائن والحسد ، قل المطر ، لان المطر لا يسقط الا على قلوب صافية شفافة رقيقة حقاً.

مع اول زخة مطر لم اسمع احداً يحتفل بقرب الشتاء. الكل يتذمر ، والكل لا يريد البرد ولا الشتاء ولا المطر.

الكل يقول انه لم يعد قادراً على مصاريف الحياة. في الكلام وجه صحة من ناحية اقتصادية ، وفيه وجه سيئ حين يكاد الناس يقولون لله انهم لا يريدون المطر.

زخة المطر الاولى ، لا تنسى دائماً. هل تذكرون تلك الايام التي كان فيها المطر يتساقط طوال الشتاء. فتفر الطيور الى اعشاشها ، وتتحلق العائلات حول بعضها.

كان يهل مدراراً لان قلوب الناس بيضاء كالفضة ، ولانهم يعرفون ان هذه نعمة لا يتم ردها ولا التذمر منها.

اروع حياة هي: الحياة في غرفة حجرية فوق جبل ، ووسط غابة ، تجلس وحيداً ، صديقتك النجوم ، وفي يمينك القمر ، وتسند رأسك الى الشمس ، ومتعتك ان ترسم قوس قزح ، ولا تسمع سوى صوت المطر.

الحياة المدنية من فواتير وزحام ومصاريف وتلوث وضجيج ونميمة وتطاحن ، وكأنك تعيش وسط غابة من المجانين ، حياة كريهة ، وغير محتملة ابداً.

حين كان ينزل المطر كانت الدنيا تغتسل في ساعة ، فتشرق الشمس ، وتطير الطيور من اعشاشها ، وتحل السكينة على صدور الناس ، لان في المطر شفاء ، وحين ينزل المطر هذه الايام يبدأ السب والتلاعن ، وتتصادم السيارات ، ويصير المرء مهموماً مغموماً.

هل من غرفة في جبل ، ومطر لا ينقطع ابداً وحمام بري يلتقط القمح من يمينك ، وقمر ينام الى كتفك ، وعينان جميلتان تشرقان في وجهك؟.

خطفت المدينة البراءة من عيوننا ، وصرنا نكره المطر ، والمطر كائن عاطفي حساس ، اذا كرهته يكرهك ، واذا رفضته يرفضك ، واذا ابيت طلته ، غاب وارتحل.

هل من غرفة في جبل ومطر لا ينقطع ابداً؟.

أضف تعليقك