رصاصة بتسعة قروش!
تتوقف السيارة لسبب فني عند اشارة المرور ، فيطلق سائق السيارة التي خلفها ، العنان لبوق السيارة حتى تتحرك ، فلا تتحرك لانها عاطلة.
يشتد الغضب بالسائق الثاني ، فيخرج من سيارته حاملا مسدسه ، ويطلق النار على قدم سائق السيارة الاولى ، انتقاماً منه لانه تأخر ، ولانه لا يفهم ان السيارة قد تتعطل ، او ان السائق قد يدوخ ، او يهبط ضغطه ، او يصاب بنوبة قلبية.
القصة حدثت ذات يوم في عمان.
قصص السلاح لا تعد ولا تحصى. اذا نظرت بالخطأ الى الزوجة المصون المتكدسة ككومة لحم ، الى جانب زوجها في سيارته ، فتوقع رصاصة كرد فعل على الاثم الذي قارفته.
اذا رزقك الله بابن تطلق النار احتفالا به. اذا اجريت له طهوراً تطلق النار ايضا احتفالا بالمناسبة الكريمة. اذا نجح في الثانوية العامة بمعدل اثنين وخمسين بالمائة تطلق النار.
اذا تزوج تطلق النار ايضا ، واذا افطر العريسان في صبيحة الزواج تطلق النار ايضا ، ولا تسأل نفسك ما علاقتنا نحن بالفحل الذي تزوج؟ وكأن العريسين باتا فرجة لمن يعرفهما ولا يعرفهما.
اذا نجح ابنك تطلق النار ، واذا رسب تهدده باطلاق النار عليه في حالات ، لان سمعة العائلة الكريمة تأثرت بالرسوب.
لسنا الشعب العربي الوحيد الذي نحتفل ونفرح ونبتهج عبر استخدام وسيلة للقتل والموت والجرح والقصف ، فالعرب يطلقون الرصاص دوماً على بعضهم ، وليس على عدوهم ، وفي حالات نحو السماء ، تعبيراً عن غضب لغوي مكبوت. كلما تم الحديث عن اجراءات مشددة ضد اطلاق النار ، نتفنن في اطلاق المزيد من الرصاص. معادلة غريبة. تجدها في كل شيء آخر. سعر الخيار اذا ارتفع يزيد استهلاكه. سعر اللبن اذا ضوعف تزيد مبيعات الشركات.
العكسية سيدة الموقف. وكلما طولب المواطن بعدم اطلاق النار اعتبر الكلام موجهاً لغيره ، وهو مستثنى فيزيد اطلاق الرصاص فوق رؤوسنا.
كلما دخلت في حوار حاد مع احدهم اياً كان وضعه او عمله قال لك "انت ما بتعرف مع مين بتحكي" ويتحسس حزامه بنطاله بحثا عن مسدس نسي حمله في ذلك اليوم. في الامثال يقال للخصم "انت راس مالك رصاصة بتسعة قروش". العدوانية نزرعها في الاطفال حين نتفرد باحضار كل انواع المسدسات والرشاشات البلاستيكية لهم في العيد. وكأننا ندربهم في بروفات تمهيدا للقتل الحقيقي ، وليتنا نعدهم للعدو ، لكننا نعدهم لرفع منسوب العداء بين بعضنا.
القتل ليس له قيمة. حياة الانسان ايضاً يتم هدرها مجاناً. قهوة السادة والجاهة والصلحة تغسل الدم. هذا على الرغم من ان الانسان في هذا البلد غالي ، ولا يجوز التنازل عن روحه مقابل فنجان قهوة.
احدهم يموت ويتم جرح اخرين لان احدهم نظر الى الاخر ، نظرة لم تعجب الاول ، فبدأت المشادة بسؤال يقول: ليش بتتطلع فيّ هيك؟ فينهمر الرصاص من كل الجهات. يصبح اهل القتيل امام اختبار اجتماعي لكرمهم ومروءتهم عبر التنازل عن دم الفقيد ، والا راحت ضرباً على وجوههم الى ولد الولد ، وقد كان الاولى ان يتم اختبار كرمهم ومروءتهم في شيء اخر غير فلذات اكبادهم ودمهم واستقرارهم. اطلاق النار ليس بحاجة الى تعديلات فقط على قانون الاسلحة والذخائر ، وليس لاجراءات يتخذها الامن العام ، بل بحاجة الى ثقافة جديدة وتربية جديدة تدخل بيوتنا ومدارسنا ، تجعل الانسان ذا قيمة ، وروحه مصونة ، وحياته مقدسة. لا تنتظر حين تعود الى بيتك سالماً جملة "الله يعطيك العافية". اذ ان الاولى ان يقال لك "الحمد لله على السلامة" ما دامت هناك اسلحة بيد الناس وتهريب للسلاح ، ورصاص بتسعة قروش ، ودلة قهوة تغلي استعداداً لعطوة جديدة ، وجاهة جديدة.
كل ما يتمناه المرء ليس منع استخدام الرصاص. بل موتة سريعة اذا جاءتك طلقة طائشة ، فهي ارحم كثيراً من الخروج مجروحاً بعين واحدة ، او بقدم زاحفة ، تحملها ولا تحملك.
"رأس مالك رصاصة بتسعة قروش".. يا بلاش،.
الدستور